عمار جمال: قلة الإنتاج هي مشكلة السينما العراقية

27 ديسمبر 2020
جمال: هناك استسهال من مخرجين شباب في صناعة الأفلام القصيرة (العربي الجديد)
+ الخط -

في طفولته، كان يُشاهد أحد أقاربه، وكان مُصوّراً سينمائياً محترفاً، يحمل الكاميرا ويتطوّع ويصوّر بعض المناسبات السعيدة. أحبّ الكاميرا منذ تلك اللحظة، ولم يفهمها ويتعلّق بها وبالضوء، لكنّ هواجس التصوير وأسئلته ظلّت تشغله طويلاً. في مرحلة الشباب، بدأ يُرافق قريبه هذا إلى مواقع التصوير، وبدأ يجد غايته فيه، معتبراً ـ شيئاً فشيئاً ـ أنّ التصوير سيكون مهنته. هذا بفضل عمّه الراحل حاتم حسين، مدير تصوير بعض أنجح الأفلام العراقية.

عام 1994، درس التصوير السينمائي في "أكاديمية السينما الألمانية (بوتسدام)"، حيث انفتحت آفاق أوسع وأشمل، قرّبته أكثر إلى الشغل العالمي. ورغم وجود عدد كبير من مدراء التصوير الألمان الذين درّسوه وتابعوا تدريبه في ألمانيا، يبقى حاتم حسين قدوته الأولى ومُلهمه.

"العربي الجديد" التقت مدير التصوير عمار جمال، في حوار عن تجربته السينمائية الممتدة إلى أكثر من عقدين.

(*) يُشار إليك كفنانٍ له دور كبير في نجاح أفلامٍ عراقية لم تكن ذات قيمة فنية كبيرة.
- أحد واجبات مدير التصوير أنْ يكون أميناً وصادقاً بنصائحه لمخرج الفيلم ولجهة الإنتاج، من حيث الرؤية الفنية، وسَيْر عملية التصوير من دون توقّف. للأسف، هناك ضعفٌ كبيرٌ لدينا في كتابة الأفلام، وضعفٌ كبيرٌ أيضاً لدى المخرجين. فغالبية النصوص لا تُقرأ بصورة بصرية، بل دائماً تُقرأ بصورة أدبية. هذا يتعارض بالتأكيد مع تنفيذ التصوير وتحديد اللقطات بدقّة، وتحقيق ما يريده المخرج من كلّ لقطةٍ يرسمها له مدير التصوير. هنا يبدأ دور مدير التصوير. يُرتّب الأوراق مرّة أخرى، حتّى أنّه يُغيّر مواقع التصوير ويجعلها أكثر ملاءمة لواقع الفيلم، بما لا يؤثّر على وضع الإنتاج. أقول للأسف إنّ في بعض الأفلام التي اشتغلتها، غلبت الصورة محتوى الفيلم. هذا يُحسَب لي من جهة النقّاد، لكنّه يضرّ بمُشاهدة الناس للفيلم.

(*) عملت في أفلامٍ كثيرة. أيّ فيلمٍ جعلك تمارس عملك بشغف وتحبّه؟
- العمل السينمائي عمل جماعي، يعتمد على أقسامه التي يُكمِّل أحدها الآخر. أيّ قسم يوجد فيه ضعف وعدم إدراك، يعود سلباً على الأقسام الأخرى العاملة معه، مُسبِّباً مشاكل كثيرة. هذا يحدث عندنا. أغلب الأفلام التي يكون تصويرها خارج العراق، أستمتع بها، وأحسّ أنّي أحلّق يومياً بالإبداع والمزاج الرائق. هذا يجعلك تُفكّر وتبتكر طرقاً جديدة للعمل، لأنّ الجميع يقفون منك بمسافة متساوية. أمّا في العراق، فلا توجد بنية تحتية سليمة ومناسبة لعمل أيّ فيلمٍ روائي طويل. هذا بدوره ينعكس سلبا على جوانب الفيلم، فأضطرّ إلى العمل بالمُمكن، حتّى يخرج الفيلم بالشكل المُعدّ له في خيالي. "المسرّات والأوجاع" لمحمد شكري جميل من الأفلام التي استمتعتُ بها، لأنّ مخرجه يُدرك ما يحتاج إليه من لقطات، ويتفهّم ويندمج مع إدارة التصوير.

(*) ما تصوّرك لما تعانيه السينما العراقية من أزمات مستمرّة طويلاً؟ ما هو المَخرَج من هذه الأزمة، برأيك؟
- مُشكلة السينما العراقية تكمن في قلة الإنتاج. هذا بدوره يُلقي بظلاله على القصّة والسيناريو والإخراج والتصوير والمونتاج والتمثيل. قلّة الإنتاج أو انعدامه سببٌ أساسيّ. أنا أقصد هنا إنتاج الأفلام الروائية الطويلة لا القصيرة، فالطويلة كفيلةٌ بتنشيط الصناعة السينمائية في العراق. عندما التقيتُ مرّة بأحد وزراء الثقافة السابقين، قلتُ له حرفياً: يجب على الوزارة أنْ تُنتج سنوياً خمسة أفلام روائية طويلة، على الأقلّ، وترصد لها مبالغ إنتاج جيّدة، حتّى لو كانت النتيجة ضعفَ بعضها أو رداءته، في المرحلة الأولى، فالكمية تخلق النوعية، حتّى تتشجّع شركات الإنتاج الفني، وتنتقل بإنتاجها من الدراما التلفزيونية إلى الفيلم الروائي الطويل. ومع توفّر دور عرض في المراكز التجارية، وعملية ترويج مدروسة للأفلام بشكل جيّد، سنرى إقبال الجمهور على شبّاك التذاكر. هذا بدوره سيميّز الفيلم الجيّد من الفيلم الرديء، ما يُقدّم لنا مخرجين وفنيين جددا، وتدريجياً تنشأ بنية تحتية، وما يتبعها من مدنٍ سينمائية واستديوهات، كما في بقيّة الدول.

العمل السينمائي عملٌ جماعي يكمّل كل قسم فيه القسم الآخر

(*) تتسيّد الأفلام القصيرة للشباب الإنتاج السينمائي العراقي، وهم ينظرون إليها كأنّها في متناول اليد، رغم أنّ الفيلم القصير مهمّة صعبة. ماذا ترى أنت؟
- هناك أفلامٌ روائية قصيرة مُنتجة بشكل جيد، وفيها شيء من اللغة السينمائية. وهناك أفلامٌ عبارة عن تمثيليات محلّية قصيرة. أتّفق معك على أنّ الفيلم القصير ليس شيئاً سهلاً. هناك استسهال من مخرجين شباب بصناعة هكذا أفلام، والنتيجة تكون أفلاماً غير ذي جدوى، في مضامينها وفي معالجاتها السينمائية. هناك مشكلة تتمثّل بأنّ شبابنا لا يتحلّون بالصبر على تعلّم الصحيح في السينما، ولا يريدون الاحتكاك أو مخالطة متخصّصين سبقوهم، بل توجد حالات تنمّر من البعض إزاء أناسٍ أبدعوا وسبقوهم في هذا المجال. هنا، نجد أنفسنا واقفين مقابل جيل من السينمائيين معتدّ برأيه، مع العلم أنّ العملية السينمائية تكمن في تسليم خبرات جيلٍ إلى الجيل الذي يليه. هذا لا يتوفّر عندنا، فتلاحظ دائماً أنّ أفلامنا لا جذور فيها، تولد وتموت بعد فترة قصيرة.

المساهمون