علماء يرصدون نبضات راديوية تبعد مليارات السنين الضوئية عن الأرض

17 يوليو 2022
يقع مصدر الإشارة في مجرة تبعد مليارات السنين الضوئية عن الأرض (Getty)
+ الخط -

اكتشف علماء الفلك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومراكز بحثية فلكية أخرى، إشارة راديو غريبة ومستمرة من مجرة بعيدة يبدو أنها تومض بانتظام مدهش. تُصنف الإشارة على أنها انفجار راديوي سريع (FRB)، وهو اندفاع قوي للغاية من موجات الراديو من أصل فيزيائي فلكي غير معروف، والذي يستمر عادة لبضعة أجزاء من الألف من الثانية على الأكثر. 

ومع ذلك، تستمر هذه الإشارة الجديدة لمدة تصل إلى ثلاث ثوان، أي نحو ألف مرة أطول من متوسط FRB، وهي من أطول الإشارات زمنياً التي رصدت حتى الآن. ضمن هذه النافذة، اكتشف الفريق اندفاعات من موجات الراديو التي تتكرر كل 0.2 ثانية بنمط دوري واضح، يشبه ضربات القلب، وفقاً لنتائج الدراسة التي نشرت يوم 13 يوليو/تموز في مجلة نيتشر.

منذ اكتشاف أول انفجار راديوي سريع عام 2007، رصدت المئات من ومضات الراديو المماثلة عبر الكون، وآخرها بواسطة التجربة الكندية لرسم خرائط كثافة الهيدروجين أو CHIME، والأخير تلسكوب راديوي يقيس التداخل، ويتكون من أربعة عاكسات مكافئة كبيرة. يراقب CHIME السماء باستمرار بينما تدور الأرض، وهو مصمم لالتقاط موجات الراديو المنبعثة من الهيدروجين في المراحل المبكرة جداً من عمر الكون. يصادف أن التلسكوب أيضاً حساس للانفجارات الراديوية السريعة، ومنذ أن بدأ بمراقبة السماء عام 2018، اكتشف التليسكوب مئات الانفجارات الراديوية السريعة المنبثقة من أجزاء مختلفة من السماء.

الغالبية العظمى من الانفجارات الراديوية السريعة التي لوحظت حتى الآن هي لمرة واحدة، أي رشقات نارية فائقة السطوع من موجات الراديو التي تستمر لبضعة أجزاء من الألف من الثانية قبل أن تومض.

اكتشف الباحثون أخيراً أول انفجار راديوي سريع دوري يبدو أنه ينبعث منه نمط منتظم من موجات الراديو، وبالتالي فهي ليست عبارة عن ومضة تختفي إلى الأبد. تتكون هذه الإشارة من رشقات نارية عشوائية لمدة أربعة أيام مستمرة، تتكرر بعد ذلك كل 16 يوماً. أشارت دورة الـ16 يوما هذه إلى وجود نمط دوري للنشاط، على الرغم من أن إشارة الدفقات الراديوية الفعلية كانت عشوائية وليست دورية.

قام الباحثون بتسمية الإشارة المرصودة في الدراسة FRB 20191221A، وهي تعد حالياً الانفجار الراديوي السريع الأطول عمراً، مع أوضح نمط دوري اكتشف حتى الآن، لأنه عادة ما تختفي هذه الانفجارات ولا تكون منتظمة. 

يقع مصدر الإشارة في مجرة بعيدة، على بعد عدة مليارات من السنين الضوئية من الأرض. ما الذي يمكن أن يكون هذا المصدر بالضبط؟ يظل هذا الأمر لغزاً رغم أن علماء الفلك يشكون في أن الإشارة يمكن أن تنبعث من نجم نابض راديوي أو نجم مغناطيسي، وكلاهما نوع من النجوم النيوترونية ذات نوى كثيفة للغاية وسريعة الدوران من النجوم العملاقة.

يوضح المؤلف الرئيسي للدراسة دانييل ميكيلي، وهو باحث ما بعد الدكتوراه في معهد كافلي للفيزياء الفلكية وأبحاث الفضاء التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أن مثل هذه الإشارات الدورية لا تصدر إلا عن عدد محدود من الظواهر الفلكية. من الأمثلة التي نعرفها في مجرتنا، النجوم النابضة الراديوية والمغناطيسية التي تدور وتصدر شعاعاً شبيهاً بالمنارة.

يقول ميكيلي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّه يعتقد أنّ هذه الإشارة الجديدة يمكن أن تكون نجماً مغناطيسياً أو نجماً نابضاً. ويأمل المؤلف في اكتشاف المزيد من الإشارات الدورية من هذا المصدر، والتي يمكن استخدامها بعد ذلك كساعة فيزيائية فلكية. إذ يمكن استخدام تواتر النبضات وكيفية تغيرها مع تحرك المصدر بعيداً عن الأرض لقياس معدل تمدد الكون.

في تحليل نمط الاندفاعات الراديوية المكتشفة، وجد ميكيلي وزملاؤه أوجه تشابه مع الانبعاثات الصادرة من النجوم النابضة الراديوية والمغناطيسية في مجرتنا. النجوم النابضة الراديوية هي نجوم نيوترونية تنبعث منها حزم من موجات الراديو، وتبدو وكأنها تنبض بينما يدور النجم، بينما تنتج النجوم المغناطيسية انبعاثاً مشابهاً بسبب مجالاتها المغناطيسية الشديدة. "يتمثل الاختلاف الرئيسي بين الإشارة الجديدة والانبعاثات الراديوية من النجوم النابضة والمغناطيسية في المجرة في أنّ الانفجار المكتشف يبدو أكثر سطوعاً بمليون مرة"، وفقاً للمؤلف.

المساهمون