عزت العلايلي... مَن مِنّا ينسى؟

16 فبراير 2021
قدّم أداءً مبهراً في فيلم "الاختيار" (الأناضول)
+ الخط -

رحل الفنان الكبير عزت العلايلي (1934 ــ 2021) عن عالمنا، بعد رحلة عطاء ونضال نحو قيم الحرية والمساواة والعدل. عانى العلايلي خلال رحلته الغنية ما عاناه من جحود ونكران. وعانى كذلك من تشويه مقصود لا يطاول إلا من يتمتع بشخصية مستقلة وموهبة حقيقية.
من منا ينسى دوره المهم فى فيلم "الأرض" إخراج يوسف شاهين، عن قصة الرائع عبد الرحمن الشرقاوي؟ العمل الذي قدّم على المسرح المصري، قبل تحويله إلى فيلم، وقد شارك العلايلي في العملَين.

من منا ينسى مسلسله "العنكبوت" عن سيناريو لمصطفى محمود؟ لقد عاصرتُ مشاهدة هذا المسلسل في أوائل السبعينيات، وكان عزت العلايلي متألقاً كعادته، وقد نجح المسلسل نجاحاً باهراً .
من منا ينسى دوره الساخر في فيلم "إسكندرية ليه" لمخرجه المفضل يوسف شاهين؟ سخر وقتها بأدائه الواعي من الطبقة الطفيلية التي أثرت على حساب الجميع.
بنى عزت العلايلي بوعي عالٍ تفاصيل مسيرته الفنية الناجحة بامتياز، حيث استطاع أن يُقدم أدواراً بالغة الأهمية. في السينما تحديداً، شكّل الدور الذي مثّله في فيلم "الاختيار" نقلة في حياته الفنية. في هذا الشريط تحديداً كان شديد التميّز والعمق.

وكان من المفترض أن يشارك في كتابة سيناريو الفيلم، على أن يلعب دور الشخصية الرئيسية الوجه الجديد آنذاك محمود ياسين. وبالفعل بدأت البروفات للعمل، لكن ياسين حصل على فرصة في عمل آخر مع المخرج الرائع حسين كمال والمنتج الكبير رمسيس نجيب، وذلك ليلعب دوراً أمام النجمة الكبيرة شادية. عندما علم مخرج العمل يوسف شاهين اتجاه ياسين لقبول لعب الدور، أجبر الممثل الشاب على الاعتذار ورفض الدور، وهو ما حصل، ليقوم بعدها بإبعاده عن "الاختيار" كذلك.

هكذا أصبح الدور شاغراً، فنصح العلايلي يوسف شاهين بالتوجه إلى عبد الحليم حافظ، الذي اعتذر عن لعب الدور لعدم وجود أغان في الفيلم. نصح العلايلي مرة أخرى يوسف شاهين بالتوجه إلى رشدي أباظة، إلا أن الأخير قلَّل كثيراً من قيمة يوسف شاهين، نظراً إلى المشاكل بينهما منذ تصوير فيلم جميلة بوحيرد.
بعدها فاجأ يوسف شاهين عزت العلايلي باختياره لأداء الدور قبل التصوير بثلاثة أيام. أذهل عزت العلايلي الجميع بأداءٍ جديدٍ متميزٍ، مختلفٍ عن السائد وقتها. إذ كان بعيداً عن الانفعال الخارجي الكاذب، ويقترب من الرزانة والمنطق بتقديمه انفعالات محسوبة بعيدة عن النمطية. وقد أثبت هذا النجم حضوره العالي عندما وقف في الفيلم أمام الموهبة الاستثنائية سعاد حسني واتصف وقوفه بالثبات والقوة والعمق أيضاً.
لعل مشهده الأخير هو الاستثنائي بامتياز أيضاً: يتلخص المشهد بأنه تماهٍ مع جنون النخبة المنقسمة على ذاتها، فنكون أمام نجم يلعب شخصيتين توأم: أحدهما الأخ البسيط في حياته فيمثل الصدق والحرية والبراءة، والثاني شخصية معقدة ملتفة على نفسها فيها الكثير من الكذب والادعاء والاهتزاز الغريب، في إشارة إلى شخصية المثقف الملتوي. مفردات الفيلم تُقدم إشارة واضحة لإدانة هذا النمط من المثقفين. ينتهي العمل باكتشاف قتل الأخ المثقف لأخيه البسيط في مشهدٍ مؤثرٍ .
كان عزت العلايلي عظيماً في أداء ذلك الدور.
تلك اللحظة الكاشفة مشهدَ القتل النادم بالذات، قَدّم فيها الممثل المصري إبداعاً متفرداً وعميقاً.
 عزت العلايلي... سلاماً لروحك

المساهمون