عامان على حكم "طالبان": صحافيون بلا حرية

21 اغسطس 2023
يعاني الصحافيون أشكالاً مختلفة من العنف (فرانس برس)
+ الخط -

قبل عامَين، تحديداً في 15 أغسطس/آب 2021، دخلت حركة طالبان العاصمة الأفغانية كابول مرة جديدة، معلنة بذلك الفصل الأخير من سيطرتها النهائية على البلاد وعودتها إلى الحكم. عامان كاملان، عرفت خلالهما الحريات في أفغانستان تراجعاً تراجيدياً، انعكس بشكل فجّ ومباشر على حياة الصحافيين وعملهم. فمئات الصحافيين غادروا البلاد، حفاظاً على حياتهم، وعلى قدرتهم على العمل تحت سقف مقبول من الحرية، بينما يعيش هؤلاء الذين اختاروا البقاء في أفغانستان تحت سيف رقابي مشدّد، سواء لناحية المحتوى أو التنقل أو الحق بالعمل.
في إحصاء أجرته منظمة مراسلون بلا حدود (مقرها باريس)، ونشرته أخيراً على موقعها الإلكتروني، تبينّ أنّ ما يزيد عن ثماني صحافيات من أصل كل عشر صحافيات اضطررن إلى التوقف عن العمل منذ 15 أغسطس 2021، كما ترك المهنة أكثر من ثلثي الصحافيين الذين كانوا يعملون في القطاع خلال عام 2021، حيث كان عددهم يُقدَّر بحوالي 12 ألفا آنذاك. وأشارت المنظمة إلى أن مُعظم المنابر الإعلامية "اضمحلت وانقرضت خلال العامين الماضيين"، مشيرة إلى استمرار الحركة بالتضييق على المؤسسات الإعلامية بنفس الوتيرة. إذ أقدمت السلطات المحلية في محافظة ننغرهار، شرقي البلاد، على إغلاق مكتب تلفزيون وإذاعة هميشا بهار مطلع الشهر الحالي، متذرعة بأحكام الشريعة الإسلامية، وهو ما أدى بالتالي إلى توقف بث إذاعة نين (كانت تستضيفها إذاعة هميشا بهار). كما تضررت من هذه الخطوة إذاعة جوانان كذلك التي كانت تعتمد على جهاز إرسال هميشا بهار لبث برامجها محلياً. 
وفي الإحصاء نفسه تبيّن أن أكثر من نصف وسائل الإعلام التي كانت مسجَّلة رسمياً عام 2021 في أفغانستان قد اختفت، إذ كان يبلغ عددها 547 وسيلة إعلامية مقسمة كالتالي:

  •  150 قناة تلفزيونية (أقل من 70 محطة متبقية).
  •  307 إذاعات (170 إذاعة متبقية).
  • 31 وكالة أنباء (18 وكالة متبقية).

هذه الإحصاءات تتوافق إلى حد كبير مع ما سبق أن أعلنه اتحاد الصحافيين الأفغان، العام الماضي، بعد وصول "طالبان" إلى الحكم. إذ أشار الاتحاد إلى أنّ 70 في المائة من وسائل الإعلام الأفغانية توقفت عن العمل، وما بقي منها يواجه مخاطر مدوية وتحديات جمّة. وقال الاتحاد حينها إن 67 في المائة من الإعلاميين والصحافيين خسروا وظائفهم بسبب التحديات الأخيرة والوضع الراهن، فيما 33 منهم لا يزالون يملكون الوظائف، موضحاً أن 40 في المائة يواجهون مخاطر أمنية، وبعضهم واجهوا التهديدات والبعض الآخر يخشى مواجهة التهديدات، فيما 30 في المائة آخرون يواجهون مشاكل اقتصادية، و30 في المائة آخرون يخشون على وظائفهم في المستقبل، نظراً للوضع السائد.

نقلت المنظمة مجموعة من الشهادات لصحافيين اختاروا البقاء في البلاد ومواصلة عملهم، رغم الضغوط والرقابة التي يتعرضون لها. وتقول إحدى الصحافيات في قناة تلفزيونية: "إن الأمور تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، فأنا محرومة من الحق في تغطية الأحداث لا لشيء سوى لأني امرأة... لأني صحافية، فإنني ملزَمة بتوخي الحيطة والحذر من كل شيء، ومطالَبة أيضاً بارتداء قناع يغطي وجهي بالكامل إن أردت الحديث أمام الكاميرا". وتضيف: "ليس لديك الحق في المشاركة في مناقشات مع الرجال، أو حتى طرح سؤال عليهم، كما لا يمكننا أن نختار بحرية الموضوع الذي نريد تغطيته، ونتيجةً لذلك، أُجبرت صحافيات عديدات على ترك هذه المهنة، إذ إن العديد منهن تركن المؤسسات الإعلامية التي كنّ يعملن فيها، مفضِّلات البقاء في المنزل على أن يصبحن سجينات في مكان العمل". 
صحافي آخر، يعمل في إحدى القنوات التلفزيونية المحلية، أضاف إلى ما قالته زميلته، شارحاً صعوبات العمل الميداني "يشعر كل صحافي بالرعب والإحباط في ظل ما نعيشه ونشهده من اعتقالات وقمع، وهذا ما يؤدي إلى انتشار الرقابة الذاتية في كل مكان... كل من يريد القيام بعمله بأمانة ونقل الأخبار بدقة يكون مصيره إما السجن أو الاستقالة أو مغادرة البلاد، إذ باتت المهمة الرئيسية للسلطات الحالية تجاهنا هي فرض الرقابة علينا، بما أن طالبان لا تتسامح مع أي شكل من أشكال الانتقاد تجاه سياساتها، وبما أنه لا يوجد من يدعمنا في محنتنا هنا، فإننا نعلم أنه علينا فقط أن نتعلم كيف نتعامل مع الوضع". 

المساهمون