طالبان والتجميل: لا صالونات ولا ماكياج ولا عمل

02 اغسطس 2023
في أحد الصالونات في كابول (عاطف عريان/ فرانس برس)
+ الخط -

منذ أن سيطرت حركة طالبان على أفغانستان في منتصف أغسطس/ آب 2021 وشكلت حكومتها، أصدرت عشرات القرارات التي تطاول حياة النساء بشكل مباشر. آخر هذه القرارات الصادرة عن وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانت إغلاق صالونات التجميل في العاصمة كابول.
القرار، بحسب مصدر في الوزارة، لم يقتصر على كابول وحدها بل يشمل مختلف المدن الرئيسية الأفغانية وحتى القرى والأرياف. كما أوضح المصدر أن هذه الخطوة لم تكن بناء على قرار وزاري، بل تلقته الوزارة شفهياً من قبل زعيم طالبان الملا هِبة الله آخُنْد زاده. وبعد القرار بأيام، أعلن الناطق باسم وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صادق عاكف، في تسجيل مصور، أن السبب وراء هذه الخطوة "بعض الممارسات في صالونات التجميل التي تخالف الشريعة الإسلامية ومحظورة دينياً، كما أن ما ينفق في هذه الأماكن ضياع للأموال على ما لا جدوى منه".
ورغم أن عاكف لم يعط تفاصيل أكثر حول "الممارسات التي تخالف الشريعة الإسلامية"، أعلن أن الوزارة وجّهت كتاباً إلى
بلدية كابول وطلبت منها تنفيذ القرار ووضع آلية محددة لذلك، مع تقديم بيان مفصل حول أعداد صالونات التجميل التي سيتم إغلاقها في حد أقصاه 6 أغسطس/ آب الحالي.
في حديث مع "العربي الجديد" يقول محمد مسكين، وهو أحد تجار أدوات التجميل التي يستوردها من الصين، إن مشكلة "طالبان" الأساسية أنها "لا تفكر في عواقب قراراتها، كما أنها لا تعمل على إصلاح أي خلل موجود، بل تقوم بالإقفال والإغلاق مباشرة"، ويضيف: "نعم، إننا شعب مسلم، نحب الشريعة الإسلامية، وقد قدمنا دفاعاً عنها الكثير، وضحينا بالأنفس والمال، وما جاءت طالبان إلى سدة الحكم إلا بمساعدة الشعب المحب للدين، ولكن السؤال هل الحل لكل مشكة هو القضاء عليها بدل إصلاحها".
يشكو الرجل من ضياع مستقبله المهني تماماً وخسارته لأمواله التي استثمرها كلها في هذه التجارة قائلاً: "زبائني بشكل أساسي صالونات التجميل في كابول وغيرها من المدن. الآن عندما تغلق من سيشتري مني تلك الأدوات؟ النساء في المنازل لا يصرفن الكثير على أدوات التجميل والمكياج".
المأساة الاقتصادية نفسها تنعكس على صاحبات الصالونات، إذ إنهنّ ينتظرن المجهو ابتداءً من 6 أغسطس. تقول شامله غول، التي تعمل منذ 25 عاماً في مجال التجميل وتملك صالوناً خاصاً، إنّ قرار "طالبان" أصابها بالصدمة، وتضيف: "تعمل في صالوني ثماني نساء، كلهن لديهن أسر وأطفال، وهن قلقات للغاية، لا يعرفن ماذا سيكون مصيرهن في المستقبل. أنا جمعت بعض المال من هذا العمل، اشتريت لي منزلاً، وزوجت ثلاثة من أبنائي وابنتي، وكنت أدرب الأخريات خصوصاً الفقيرات اللواتي ليس لديهن أحد للحصول على مهنة شريفة".
تضيف المرأة أنه يفترض بالحكومة إعادة النظر بقرارها لما له من تأثيرات سلبية على حياة الناس وليس فقط النساء، لأن هؤلاء العاملات في الصالونات لديهن أزواجاً وأطفالاً، وهنّ بحاجة لهذا الدخل المادي في ظل الظروف المأساوية التي تعيشها البلاد.
بعض النساء بدأن بالتفكير بحلول مختلفة للخروج من هذا المأزق، وهو ما تشرحه حواء، العاملة في أحد صالونات منطقة وزير أكبر خان في العاصمة كابول. إذ تقول لـ"العربي الجديد": "أنا متفائلة لأن صاحبة الصالون الذي أعمل فيه قررت أن تنقل العمل إلى منزلها، لديها في الطابق الثاني من منزلها إمكانية فتح صالون، وقد بدأت بتجهيزه، وإني شبه أكيدة أن العمل لن يتوقف، سنواصل ما نقوم به رغم قيود طالبان". ولكن ماذا في حال لاحقت الحركة العاملات في هذه المهنة إلى المنازل؟ "في تلك الحالة سوف يكون الفقر مصيرنا وسأتوجه إلى التسول لأن لديّ عائلة، وزوجي توفي قبل خمس سنوات، وأولادي صغار، لا يمكن لي أن أرسل بناتي إلى سوق العمل، بالتالي الحل الوحيد أمامي سيكون أن أخرج إلى الشارع وأتسول... أنا مستغربة ما تفعله طالبان، لا بد أن تبحث كحكومة عن الحل والبديل قبل اللجوء إلى إغلاق صالونات التجميل، بعدما أغلقت هي كل السبل الأخرى من التعليم والعمل في الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة دولياً ومحلياً".
في هذا الإطار، تقول الناشطة الأفغانية صفية نورزاي لـ"العربي الجديد": "إننا لا نطلب من طالبان أن تعيد النظر بقرارها، لأنه لا جدوى من ذلك، فالحركة إذا اتخذت قراراً يستحيل أن تتراجع عنه، سواء كان منطقياً أم عشوائياً. كما أنّ إعلاء الصوت بالإدانات غير مجدٍ أيضاً، طالما أن طالبان لا تستمع لما يطلبه منها الشعب". وتعبّر نورزاي عن استغرابها هذه القرارات العشوائية "خصوصاً أن الحكومة تعرف تأثيراتها السيئة والثقيلة على الشعب وعلى المواطن بشكل بديهي، وتعرف أيضاً ألا جدوى أصلاً من اتخاذها، و"لكنها للأسف تملك منطقاً مغايراً لمنطق الشعب، وكأن الشعب الأفغاني لا رأي له ولا طموحات، وكأن طالبان ليست جزءاً من هذا الشعب. إننا نرى أن الوضع المعيشي في بلادنا كارثي، ويتجه نحو ما هو أسوأ، والحكومة لا تحرّك ساكناً".

ورغم إدانات محلية ودولية لقرار "طالبان"، إلا أن الحركة مصرة على تنفيذ هذه الخطوة بعد مضي فترة المهلة. وكانت البعثة الأممية في أفغانستان قد أعربت في بيان لها بعد إصدار هذا القرار عن استيائها الشديد حياله، لما له من انعكاسات سلبية على حياة المرأة الأفغانية التي تعيش تحت وطأة قرارات صعبة منذ أن سيطرت طالبان على أفغانستان في أغسطس 2021.

المساهمون