صفعة "أوسكار" 2022... النكتة بريئة دوماً

30 مارس 2022
روك تقبّل الصفعة بروح رياضية وقال إن "هذه واحدة من أفضل لحظات التلفاز" (آل سيب/Getty)
+ الخط -

لا توجد كلمات كافية لوصف ما أقدم عليه ويل سميث ليلة توزيع جوائز الأوسكار. الخبر لا يتناول فوز "الأمير" بأول أوسكار له، في فئة أفضل ممثل عن دوره في فيلم "الملك ريتشارد" (King Richard)، الذي يصور حياة والد لاعبتي التنس، سيرينا وفينوس ويليامز. المسألة تتعلق بما حصل قبل الإعلان عن فوزه بدقائق، أي الصفعة التي وجهها للكوميديان كريس روك، بسبب نكتة أطلقها على زوجة سميث، جيدا بينكيت سميث. النكتة تقول إن فقدان جيدا لشعرها، سببه أنها تستعد لدور في الجزء الثاني من فيلم G.I. Jane، الذي "حلقت" فيه الممثلة ديمي مور شعرها بشكل كامل، كي تلعب دور جندية أميركية.
هناك عدة مقاربات لفهم وانتقاد و"تسفيه" تصرّف سميث؛ فالنكتة بريئة دوماً، وكريس روك يعلم ذلك، حتى أن التشبيه بممثلة أخرى لا يحوي انتقاصاً. ومهما كان السبب الذي حلقت لأجله جيدا شعرها، فـ روك لم يعيرها بضعف ما، أو إعاقة ما، بل شبهها فقط بمظهر ديمي مور. وهنا، لا يمكن لنا سوى النظر إلى التصوير البطيء للحدث. سميث ضحك بداية على النكتة، وامتعضت جيدا، ثم نظرت إلى سميث، الذي أدرك "خطأه" (لا يمكن أن ننسى كيف "خانته" جيدا سميث وتصالحا وتسامحا علناً أمام الجميع، ثم اعترف هو لاحقاً أنه قام بذات الشيء)؛ فما كان منه سوى أن ترك كرسيه، واتجه إلى روك الذي لا يصدق ما يحصل، وصفعه.
عاد سميث إلى كرسيه، طالباً من روك صارخاً ألا يذكر اسم زوجته أبداً. وغرد لاحقاً سميث الابن: "هكذا نتصرّف حيال هذه الأمور"، في إشارة إلى أسرته. لكن، إن كانت النكتة لم تعجب جيدا، فهل يصل الأمر بها، بأن تتمكن بنظرة واحدة من دفع "زوجها" إلى الدفاع عنها؟ أي نسوية هذه التي ترفض الكلام، وترسل رجلاً لصفع آخر على الملأ، لأن النكتة لم تضحكها، بعكس زوجها الذي ضحك بدايةً؟
هذه ليست المرة الأولى التي يصفع فيها سميث أحدهم؛ إذ سبق له أن صفع صحافياً حاول تقبيله. لا لوم على سميث هنا، لكن يبدو أن ثقافة الصفع منتشرة في أسرة سميث. ناهيك أن هذا الحدث، حوّل خشبة الأوسكار إلى مساحة محرّمة. ويمكن لاحقاً، إذن، لأي أحد لا تعجبه نكتة أو تعليق ما، أن يصفع من يريد، ويعود إلى كرسيه.

هذه الصفعة هي هرم ثقافة الإلغاء، التي تحولت إلى "عنف" في هذه الحالة

هذه الصفعة هي هرم ثقافة الإلغاء، التي تحولت إلى "عنف" في هذه الحالة، الشأن الذي حذر منه كثيرون ممن انتقدوا ممارسات الإلغاء وأساليب قمعها لحرية التعبير، والتي كما رأينا الآن، تحولت إلى صفع، وشتم، ومنع من الكلام. هذا حرفياً ما صرخ به سميث "لا تذكر اسم زوجتي على لسانك"؛ أي أصبح ممنوعا الآن حتى ذكر الاسم أو الإشارة إلى صاحبه، فسميث جاهز لصفع أي أحد قد يزعج زوجته.
لن نعلق على طبيعة العلاقة بين سميث وجيدا، لكن الواضح أن مهرجان الحساسيات الهوياتيّة والأنا المتأزمة الخائفة من كلمة، أصبح ساحة قتال، شهدتها أشهر خشبة ترفيه في العالم؛ مسرح حفل جوائز الأوسكار. الإلغاء تحول الآن إلى إخراس، لا يجوز المساس بأحد، ولا السخرية منه، بل الاحتفاء بمشاعره التي يغرقنا بها، أو الصمت.
كريس روك تقبّل الصفعة بروح رياضية، وقال إن "هذه واحدة من أفضل لحظات التلفاز". استوعب ما حصل، وتابع الحفل، ليتأمل لاحقاً سميث وهو يلقي خطاب قبوله لجائزة الأوسكار. تجدر الإشارة إلى أن روك، حتى الآن على الأقل، لم يقدم شكوى ضد سميث، ربما لأنه "أكبر" من ذلك، لكن لو أردنا فعلاً انتقاد ثقافة الإلغاء هذه، على روك أن يقدم شكوى، ويرفع دعوى قضائية، لأننا ببساطة أمام عنف مباشر، علني، أمام الجميع، بسبب نكتة.

لم يقل أحد، حتى الآن، إن ما حصل كان متفقاً عليه؛ الجميع مصدوم، ولا يصدق أن ما حدث حقيقي. لكن لا نعلم، بعضهم قال إن صفعة سميث "سينمائيّة"، وكأنه تدرب عليها مع روك، وبينما يرى آخرون أن الحادثة حقيقية. لكن سميث، بسبب خبرته كممثل، يجيد الصفع، من دون أن يؤذي بشدة من يصفعه.

المساهمون