إيلون ماسك ودونالد ترامب... علاقة متقلبة بين شخصيتين جدليتين

16 يوليو 2024
ترامب يصفق لماسك بعد إطلاق صاروخ فالكون 9 إلى الفضاء من فلوريدا، 20 مايو 2020 (Getty)
+ الخط -

بعد ساعات قليلة من تعرّض دونالد ترامب لمحاولة اغتيال خلال تجمّع انتخابي في بنسلفانيا، السبت الماضي، أطلّ الملياردير ورجل الأعمال إيلون ماسك عبر منصته إكس، معلناً دعمه للمرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية، وكتب: "أنا أؤيد الرئيس ترامب بالكامل وأتمنى له الشفاء العاجل".

وجاء إعلان ماسك الصريح ليؤكّد ما تناقلته تقارير متعدّدة في وسائل الإعلام الأميركية خلال الأشهر الماضية عن عودة المياه إلى مجاريها بين مالك شركتي تسلا وسبايس إكس والرئيس الأميركي السابق، بعد تقلبات عديدة مرّت بها علاقتهما خلال السنوات القليلة الماضية.

باستثناء امتلاكهما شخصيتين مثيرتين للجدل، لا تجمع إيلون ماسك ودونالد ترامب أوجه تشابه كثيرة، لا في الأهداف والطموحات، ولا في آرائهما من قضايا مختلفة. لكنّ ذلك لم يمنع من أن يتعاونا في السابق، ولم يكن عقبةً في سبيل تعاونهما الآن لتحقيق هدفٍ مشترك يتمثّل في إطاحة الرئيس الحالي جو بايدن عن كرسي الرئاسة.

عُرف إيلون ماسك عبر السنوات بآرائه الغريبة ومواقفه المتناقضة من شخصيات أو قضايا معيّنة، وهو ما ينطبق على علاقته المتقلبة بترامب، والتي سلكت مؤخراً منعطفاً جديداً، يتمثل بالتحالف بين الثنائي.

تعاون مبكر

قبل وقتٍ قصير على انتخابات الرئاسة الأميركية في العام 2016، أعلن إيلون ماسك المؤيد للحزب الديمقراطي آنذاك دعمه للمرشحة هيلاري كلينتون في وجه دونالد ترامب مرشح الجمهوريين، مشكّكاً في قدرة الأخير على شغل منصب الرئاسة.

لم تدفع هذه الانتقادات ترامب إلى اتخاذ موقفٍ سلبي من ماسك، إذ التقاه أكثر من مرة خلال العام 2017 بعد فوزه بالرئاسة، في اجتماعات ضمّت مديري كبرى شركات التكنولوجيا، لمناقشة قضايا مثل خلق فرص العمل والابتكار.

بعدها قام ترامب بتعيين ماسك في عدة مجالس استشارية تابعة للبيت الأبيض، بما في ذلك منتدى الاستراتيجية والسياسة الرئاسية ومبادرة وظائف التصنيع، التي تهدف إلى تزويد الرئيس برؤى اقتصادية جديدة.

 برّر الملياردير تعاونه مع ترامب، معتبراً أنّه وجد في ذلك فرصة للدفاع عن القضايا التي يؤمن بها، إذ وفّرت له هذه المراكز الفرصة للدفاع عن قطاعات مثل الطاقة المتجددة واستكشاف الفضاء، التي تملك شركاته مصالح كبيرة فيها.

انسحاب إيلون ماسك

على الرغم من التعاون المبكر، إلّا أنّ الخلافات كانت واضحةً بين الطرفين حول عدّة قضايا، أبرزها التغير المناخي. كان ماسك مؤيداً قوياً لضرورة مواجهة تغير المناخ وتطوير تقنيات الطاقة المتجددة، في حين شكّك ترامب مراراً في حقيقة التغير المناخي، قبل أن يعلن في يونيو/ حزيران 2017 انسحابه من اتفاقية باريس لمكافحة تغيّر المناخ.

انتقد ماسك علناً قرار ترامب، واستقال من أدواره الاستشارية تعبيراً عن الاحتجاج، وكتب عبر منصة تويتر ("إكس" لاحقاً): "تغير المناخ حقيقي. الانسحاب من معاهدة باريس ليس جيداً لأميركا أو للعالم". مع ذلك، بقي التواصل قائماً بين الطرفين، واستفادت شركات إيلون ماسك، خصوصاً "تسلا" و"سبايس إكس"، خلال فترة ترامب الرئاسية من إعفاءات ضريبية وتسهيلات حكومية متعدّدة.

لاحقاً، في مطلع العام 2020، امتدح الرئيس الأميركي "ذكاء" ماسك، واصفاً إياه بأنّه "أحد أهم عباقرتنا". كما، أيّده خلال صراعه مع سلطات ولاية كاليفورنيا التي أجبرته على إغلاق أحد معامل "تسلا"، امتثالاً لقواعد مكافحة جائحة كوفيد-19.

لم يكن ذلك كافياً لإقناع الملياردير بالعدول عن التصويت لخصم ترامب اللدود، جو بايدن، في انتخابات الرئاسة الأميركية في العام نفسه، لكنّه لم يمنعه من انتقاد حظر حساب الرئيس السابق على "تويتر"، عقب اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول مطلع العام 2021، في محاولة لمنع الكونغرس من التصديق على فوز بايدن، ممّا أدى إلى مقتل أربعة مدنيين وضابط شرطة.

سارت منصات فيسبوك وإنستغرام ويوتيوب، على خطى "تويتر"، وحجبت حسابات ترامب الذي كان يملك عشرات الملايين من المتابعين، لأن منشوراته تحتوي "تحريضاً على العنف". أمّا ماسك فقد رأى فيما جرى قمعاً لحرية الرأي، وعبّر عن قلقه من سيطرة شركات التواصل الاجتماعي على حرية التعبير.

فترة مفصلية

شكّل العام 2022 لحظة مفصلية في مسيرة إيلون ماسك. في إبريل/ نيسان وافقت إدارة "تويتر" على عرض الاستحواذ الذي قدّمه لشراء المنصة مقابل 44 مليار دولار.

في مايو/ أيّار من العام نفسه، أعلن ماسك تغيّر موقفه من الحزب الديمقراطي، وكتب عبر منصته: "الديمقراطيون صاروا حزب الانقسام والكراهية، لذلك لم يعد بإمكاني دعمهم وسأصوت للجمهوريين". كما أكد أنه يعتزم إلغاء الحظر الدائم المفروض على ترامب في حال إكمال عملية الاستحواذ، واصفاً القرار بأنه "سيئ أخلاقياً" و"أحمق لأقصى الحدود".

وعلى الرغم من أن تصريح ماسك أثار مخاوف من أن تشهد الشبكة الاجتماعية سيلاً من الرسائل البغيضة والتحريضية تحت ستار حرية التعبير، إلّا أنّه مضى قدماً في رفع الحظر عن حساب ترامب في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، بعد أن نشر استطلاعاً على "تويتر" أيّدت فيه الأغلبية عودة الرئيس السابق.

مع ذلك، لم يشارك ترامب سوى منشورٍ واحد على المنصة منذ رفع الحظر عنه على الرغم من امتلاكه أكثر من 87 مليون متابع. في الوقت الحالي، ينشط الرئيس السابق عبر منصة تروث سوشال التي أسّسها بعد وقتٍ قصيرٍ على حظره من كبرى منصات التواصل الاجتماعي.

لكن المفارقة أنّه في هذه الفترة نفسها، وقع تراشقٌ لفظي علني بين الملياردير والرئيس السابق، وصل إلى حد تبادل الإهانات، بعد أن دعا ماسك ترامب إلى عدم الترشح للانتخابات الرئاسية من جديد. كتب ماسك في يوليو/ تموز على "تويتر": "لا أكره الرجل، لكن حان الوقت ليضع ترامب قبعته ويبحر باتجاه المغيب". استوجب ذلك رداً عنيفاً من ترامب الذي ادعى أنّ ماسك صوّت له في انتخابات العام 2020 بدلاً من بايدن، وهو الأمر الذي نفاه مالك "إكس" آنذاك.

كذلك، كتب ترامب منشوراً هجومياً عبر "تروث سوشال" قال فيه: "عندما جاء إيلون ماسك إلى البيت الأبيض يطلب مني المساعدة في جميع مشاريعه، سواء كانت السيارات الكهربائية التي لا تسير لفترة كافية، أو السيارات ذاتية القيادة التي تتحطم، أو الصواريخ التي لا تذهب إلى أي مكان، والتي بدونها سيكون عديم القيمة، وأخبرني أنه من كبار المعجبين بي وأنّه جمهوري، كان بإمكاني أن أقول له اركع وتوسل، وكان ليفعل ذلك".

"تحالف" ضد بايدن

خلّف التراشق الإعلامي حالة من الجمود في العلاقة بين إيلون ماسك ودونالد ترامب لبعض الوقت، لكن ذلك لم يمنع الكثير من الناشطين أن يروا في رفع إيلون ماسك الحظر عن العديد من الحسابات اليمينية المتطرفة على "تويتر"، شكلاً من أشكال الدعم للرئيس السابق.

في النهاية أدت مصالح الطرفين المشتركة إلى التقائهما في ما وصفته صحف أميركية، مثل "ذا نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال"، بأنه "حلف مشترك" لإسقاط بايدن في الانتخابات النيابية المقبلة.

في مايو الماضي، كشفت "وول ستريت جورنال" عن أنّ ترامب التقى ماسك أكثر من مرة، وأنّه يدرس إمكانية تعيينه في منصب استشاري في حال فوزه بالانتخابات المقبلة. كذلك، نقلت وكالة بلومبيرغ، الجمعة، أن ماسك تبرع مؤخراً لمجموعة أميركا بي إيه سي الداعمة لإعادة انتخاب ترامب بمبلغ مالي كبير.

وبينما يطمح ترامب لإطاحة منافسه على كرسي الرئاسة، يرغب إيلون ماسك في التخلص من بايدن الذي اتسمت علاقته به بالكثير من التوتر والفتور، خاصةً مع الاختلافات الشاسعة في الرأي بينهما حول العديد من القضايا، مثل الهجرة والسيارات الكهربائية والهويات الجنسية. إضافةً إلى تعليقات ماسك المتكررة عبر منصته حول عمر الرئيس البالغ 81 عاماً.

المساهمون