"أنا زوجة الصحافي محمد سعيد. في الحقيقة لا أعلم من أين أبدأ حديثي. زوجي محبوس منذ ثلاث سنوات، وقليل جدًا من زملائه من اهتم بوضعه، رغم أنه لم يكن يتأخر عن مساعدة أي زميل له، سواء بالدعم النفسي أو المهني أو المادي"، بهذه الكلمات بدأت أسماء محمد، زوجة الصحافي المصري محمد سعيد، تدوينتها للتذكير بقضية زوجها سجين الرأي.
محمد سعيد صحافي مصري، بحكم المهنة والعمل، لا بحكم الأوراق الثبوتية والانتماء لكيانات نقابية. ألقي القبض عليه في 31 مايو/أيار 2018، وظل حبيسًا في مقر أمن الدولة لمدة 45 يومًا، ثم ظهر بعدها في نيابة أمن دولة العليا على ذمة القضية رقم 441 لسنة 2018. واستمر حبسه الاحتياطي لمدة عامين متتاليين (المدة القانونية والحد الأقصى للحبس الاحتياطي في القانون المصري)، ثم حصل على قرار إخلاء سبيل من النيابة يوم 15 يوليو/تموز 2020، ومع ذلك ظل مسجونًا في قسم الشرطة. ثم اختفى من قسم الشرطة يوم 24 يوليو/تموز 2020، وظل مختفيًا وتبين لاحقًا أنه مسجون في مقر أمن الدولة، إلى أن ظهر مجددًا يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، في النيابة العامة، على ذمة قضية جديدة تحمل رقم 2727 لسنة 2020.
ويوم 1 ديسمبر/كانون الأول 2020، حصل على حكم بإخلاء سبيله بكفالة مالية قدرها خمسة آلاف جنيه، وتم ترحيله إلى قسم الشرطة تمهيدًا للإفراج عنه، لكنه ظل حبيسًا في قسم الشرطة لمدة 45 يومًا، ليعرض على نيابة أمن الدولة للمرة الثالثة في القضية رقم 955 لسنة 2020، بعد تدويره للمرة الثانية، ليستمر حبسه احتياطيًا أطول فترة ممكنة، كما يفعل النظام مع معارضيه غالبًا.
تضيف زوجته "ثلاث سنوات، وتقريبًا القليل ممن سأل عنه أو التضامن معه أو الكتابة عنه عند القبض عليه". وقالت إن ما يحزنها "أن الكثير من زملائه ألقي القبض عليهم قبل القبض عليه، وتضامن معهم ووقف جانبهم، لكن عندما قبض عليه هو لم يتضامن معه أحد ولا حتى باتصال هاتفي". وتابعت "ثلاث سنوات محمد سجين، لا أحد يذكره ولا اسمه يكتب في تقرير حقوقي ولا يوضع في قوائم الصحافيين المعتقلين، ولا أحد يكتب عنه أو يطالب بخروجه".
حال الصحافي محمد سعيد، عضو نقابة الصحافيين عن جريدة "الحرية والعدالة" في عهد الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، يشبه أحوال الكثير من الصحافيين الذين لا ينتمون لجماعات صحافية أو تيارات سياسية أو حتى لم يعملوا فترات زمنية طويلة في مؤسسة صحافية واحدة لينتموا بالتبعية لهذه المؤسسة، وبالتالي يحظون بدعم زملائهم. بل إن محمد سعيد، الذي عمل في صحيفة "الحرية والعدالة" لسنوات، واجه على مدار سنوات أعقبت الانقلاب العسكري بمصر في صيف يوليو/تموز 2013 عثرات عدة في العمل الصحافي، وطلب مرارًا من زملاء له أن يرشحوه لفرص عمل إن وجدت، لكن الأبواب كلها كانت موصدة في وجهه.
وتقول زوجته "زملاء محمد يعلمون أنه ترك الكثير من المال والوظائف في أماكن عدة، وكيف عاد من الخارج لمصر لأنه لا يستطيع أن يعيش في جو مسموم. بل الأكثر من هذا أنه طلب من زملاء مساعدتهم قبل القبض عليه بستة أشهر، ليوفروا له فرصة عمل، لكن 99% منهم خذلوه".
ومنذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سُدة الحكم، قمعت السلطات العمل الصحافي المستقل، وحجبت تعسفاً مئات المواقع الإلكترونية، وداهمت وأغلقت تسع منصات إعلامية على الأقل، واعتقلت العشرات من الصحافيين تعسفًا، حسب "منظمة العفو الدولية"، التي أكدت أنها وثقت وجود ما لا يقل عن 36 صحافيا محتَجزًا لمجرد ممارستهم عملهم المشروع، أو لتعبيرهم عن آرائهم عبر منصاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتختلف الأرقام بين المنظمات الحقوقية والتي تعنى بحريّة الصحافة والإعلام، بحسب مَن تحصيهم كعاملين في الإعلام أم لا. وبحسب آخر تصنيف لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، هناك أكثر من 30 صحافياً مصرياً في السجون، فيما تعدّ مصر واحدة من أكبر سجون الصحافيين في المنطقة والعالم، بحسب التنصيف. وطبقًا لآخر رصد صادر عن المرصد العربي لحرية الإعلام، فإن هناك 15 صحافيًا نقابيًا في السجون، بينما هناك عدد آخر من الصحافيين الذين لم يحملوا عضوية النقابة بعد، وكذا عدد من المصورين والإعلاميين، ليصل العدد الإجمالي للقابعين خلف القضبان إلى 76 صحافيًا نقابيًا وغير نقابي.
هناك أكثر من 30 صحافياً مصرياً في السجون، فيما تعدّ مصر واحدة من أكبر سجون الصحافيين في المنطقة والعالم
وكان آخرهم الكاتب الصحافي جمال الجمل، الذي ألقي القبض عليه في 23 فبراير/شباط 2021 فور وصوله إلى مطار القاهرة قادما من إسطنبول، وتعرّض إلى الاحتجاز غير القانوني في جهة غير معلومة لمدة 5 أيام، قبل أن يظهر بتاريخ 28 فبراير/شباط 2021 داخل نيابة أمن الدولة، وتم التحقيق معه في القضية رقم 977 لسنة 2017 حصر أمن دولة، والمعروفة إعلاميا بقضية "مكملين2”، ووجهت إليه النيابة اتهامات الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار وبيانات كاذبة، وقررت حبسه احتياطيا.
وبخلاف الجمل، يوجد عدد من الصحافيين النقابيين في السجون المصرية، وهم عامر عبد المنعم (جريدة الشعب)، وهشام فؤاد (جريدة العربي)، وحسام مؤنس (جريدة الكرامة)، ومصطفى الخطيب (جريدة الحرية والعدالة)، ومحسن راضي (مجلة المختار)، وبدر محمد بدر (جريدة آفاق عربية)، وأحمد سبيع (جريدة آفاق عربية)، وأحمد شاكر (روز اليوسف)، وهاني جريشة (اليوم السابع)، وسيد شحتة (اليوم السابع).
ومع هؤلاء، العشرات من الصحافيين غير أعضاء في النقابة لكنهم يمارسون الصحافة منذ سنوات، مثل الصحافية سلافة مجدي، وزوجها حسام الصياد، وإسراء عبد الفتاح، ومعتز ودنان، وأحمد أبوزيد الطنوبي، وهشام عبد العزيز الصحافي بقناة الجزيرة، وأحمد خليفة، وإسماعيل الاسكندراني، وأشرف حمدي رسام الكاريكاتير، وحمدي الزعيم، ودعاء خليفة، وعلياء عواد، ومصطفى الخطيب، وغيرهم العشرات.