لا يتذكر الصحافيون اليمنيون أخباراً سارة متعلقة بالمهنة. يكتوي من في الداخل بالخوف على حياتهم، ومن عجزهم عن توفير أساسيات الحياة. وفي اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب الذي يوافق الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني من كلّ عام، لا ينتظرون سوى بارقة أمل وحظوظ استثنائية للحفاظ على حياتهم. يفيد مصدر في نقابة الصحافيين، "العربي الجديد"، بأنه تم رصد 63 حالة انتهاك، منها 33 حالة ارتكبها الحوثيون هذا العام، وتوزعت 18 حالة على قوات حكومية و9 حالات للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال، وثلاث حالات سجلت ضد مجهولين.
اختطاف الصحافيين
لسنوات، تغيّب جماعة الحوثيين صحافيين في المجهول. قبل ثلاثة أعوام، اختُطف المصور الصحافي محمد عبده الصلاحي في محافظة الحديدة (غربي اليمن)، لتتبين عائلته المذعورة أخباره وقد نقل إلى صنعاء، حيث يخضع لمحاكمات سرية في سجون المخابرات. يتقاسم الصلاحي مع زميله الصحافي محمد الجنيد المصير ذاته. جرت محاكمتهما مع عدد كبير من المختطفين بتهم تكررها الجماعة المسلحة في وجه من لا يواليها: "التخابر والتعاون مع العدو". في الرابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2019، أبلغ الصلاحي، محامي الصحافيين، عبد المجيد صبرة، تعرّضه لشتى أنواع التعذيب ولضرب مبرح في مناطق حساسة. وقال صبرة، إن الصلاحي أخبره بإصابته بتورّم في خصيتيه، جراء تعرّضه للركل، فضلاً عن "تعليقه بالكلبشات" عبر حبل متدلٍّ من سطح المعتقل، وامتدت التحقيقات اليومية لأكثر من ست ساعات.
لم يكمل الصلاحي بعد دراسته الجامعية في قسم الإعلام بجامعة الحديدة. اختطفه الحوثيون مع طالبين آخرين، في الحادي والعشرين من أكتوبر/تشرين من عام 2018، من داخل مركز إنتاج إعلامي يملكونه في المدينة، وصادروا هواتفهم وكاميراتهم. وأُطلق سراح زميليه في أشهر لاحقة، بينما بقي هو وراء القضبان. وبالرغم من عدم اشتغال الصلاحي بأنشطة إعلامية لها صلة بالأحداث السياسية والعسكرية في الحديدة، إلا أن الحوثيين أبقوا على اعتقاله ومارسوا بحقه التعذيب والإخفاء القسري.
وفي يونيو/حزيران من العام الماضي، اختطف الحوثيون الصحافي محمد علي الجنيد في محافظة الحديدة، بلا تهمة سوى أنه صحافي أخفت الجماعة مصيره لأكثر من عام. ووسط معلومات محدودة يسرّبها ناشطون حقوقيون، عُلم بنقل الجنيد ضمن عشرات المختطفين إلى سجون المخابرات في صنعاء. فيما يقول محامي الصحافيين، عبد المجيد صبرة، في تدوينة على فيسبوك، إنه لم يُسمح لهم بحضور جلسات المحاكمات التي يجريها الحوثيون.
ولا يزال أربعة صحافيين وهم: عبد الخالق عمران، وتوفيق المنصوري، وحارث حميد، وأكرم الوليدي، يواجهون أحكاماً بالإعدام، من بين عشرة صحافيين لا يزال مصيرهم مجهولاً في سجون الحوثيين. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أفاد الصحافيون بأنهم تعرّضوا للضرب والتعذيب، والاحتجاز في زنازين انفرادية، أسفرت عن تدهور صحة الصحافي توفيق المنصوري الذي لا يقوى على الحركة، وانقطاع أخبار الصحافي عبد الخالق عمران الذي تعرّض للتهديد بالقتل من قبل قيادي حوثي، فيما يعيش الصحافيان حارث حميد وأكرم الوليدي ظروفاً صحية صعبة.
اعتقال بتهمة "الخروج ليلاً"
في الثالث من أغسطس/آب الماضي، اختفى أثر الصحافي الشاب يونس عبد السلام الذي اعتاد، مساء كل يوم، المشي في جنح الليل في شوارع صنعاء. أكثر من ثلاثة أشهر على إخفاء الحوثيين لمصير عبد السلام، الذي تفاقمت حالته النفسية بعد اعتقاله وتعذيبه في محافظة أبين (جنوبي البلاد) في أغسطس/آب من العام الماضي، من قبل مسلحي المجلس الانتقالي (المطالِب بالانفصال). رفض الحوثيون في الأسابيع الأولى من اختطافه، الكشف عن مصيره، ملحقين إجاباتهم بالنفي بصلتهم بما حدث له، قبل أن تعرف أسرته بعد جهد طويل من البحث أنه معتقل في سجونهم بالعاصمة صنعاء.
يقول شقيقه سلطان عبد السلام، إن "يونس متماسك ولا بأس به، رغم الإرهاق الذي يبدو عليه، وغادر الزنزانة الانفرادية بعد مكوثه فيها أكثر من ثمانين يوماً". وأضاف، في تدوينة على فيسبوك "للأعزاء الذين لا زالوا يسألون عن يونس ولم ينسوه بعد، لم توجه له أي تهمة سوى عمله الصحافي".
في عدن العاصمة المؤقتة للبلاد، لا يزال مصير المخرج رأفت رشاد باقي غير معلوم، بعد احتجازه من المجلس الانتقالي الجنوبي، في أحد معسكراته ونقله إلى جهة مجهولة في وقت لاحق. وفي التاسع والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، توجّه باقي إلى مقر قوات "الحزام الأمني" التابعة للانتقالي في مديرية المنصورة، لكن الاتصال معه فقد منذ تلك اللحظة.
إدانات حقوقية
أعربت المنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين "صدى" (غير حكومي) عن إدانتها لانتهاكات الحوثيين بحق الصحافيين في صنعاء، من محاكمات سرية وتعذيب نفسي لديها منذ أربع سنوات. ووصفت المنظمة التي تتخذ مدينة مأرب (معقل الحكومة)، مقراً لها، محاكمات الحوثيين بالباطلة "وجريمة تضاف إلى جرائم أخرى ارتكبتها الجماعة بحق الصلاحي والجنيد"، داعية إلى "وقف المحاكمات غير القانونية، واستخدام الصحافيين المختطفين في المكايدات السياسية، واستغلال القضاء للترهيب وتكميم الأفواه وإصدار قرارات القتل بحقهم".
وفي ذات الصدد، طالبت 33 منظمة حقوقية، بضرورة ملاحقة مرتكبي الانتهاكات ضد الصحافيين اليمنيين، وإدانة كافة أشكال العنف الذي تمارسه "جميع الأطراف المتصارعة في اليمن" ضد الصحافيين، والذي أدى إلى مقتل 49 صحافياً وعاملاً في مجال الإعلام، وتجريف غير مسبوق وكارثي للحريات الصحافية. وقالت المنظمات، في بيان مشترك بالتزامن مع اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، إن كثيراً من المدن في البلاد "تحولت إلى مناطق مغلقة للصوت الواحد، وغاب التنوع الإعلامي الذي كان يتمتع به اليمن في كثير من المدن". وأضافت "في الوقت الذي يعمل فيه العالم على إيقاف ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات ضد الصحافيين، مورس ما يقرب من ثلاثة آلاف انتهاك ضد حرية الصحافة والتعبير في اليمن خلال السنوات السبع الماضية". وندد البيان بعمليات القتل والاختطاف والإخفاء قسري والتعذيب وإصدار أحكام إعدام بحق الصحافيين بموجب محاكمات غير عادلة ومسيسة بعيدا عن كل معايير المحاكمة العادلة، وبما يخالف الدستور والقوانين المحلية والمواثيق والعهود الدولية التي تكفل حماية الصحافيين وضمان حرية الرأي والتعبير. وطالب بيان المنظمات بإطلاق سراح الصحافيين المعتقلين كخطوة ملحّة، داعياً، المجتمع الدولي والمنظمات المعنية بحرية الرأي والتعبير، إلى مضاعفة جهودها من أجل محاسبة منتهكي حرية الصحافة والتعبير في اليمن، وترسيخ أسس المساءلة، ومساندة الصحافيين والتضامن معهم في هذه الظروف العصيبة.