شهية مفتوحة على التدوين الصوتي وأرباحه

28 ابريل 2021
شركات عملاقة تستثمر في التدوين الصوتي (Getty)
+ الخط -

ينمو قطاع البودكاست بشكلٍ متسارع هذا العام، في ظلّ استثمارات كبيرة تقوم بها شركات عملاقة في مجال البثّ والتكنولوجيا. فالتدوينات الصوتيّة التي كانت تقتصر على ميزاتٍ في تطبيقات التواصل الاجتماعي حتى سنواتٍ قليلة إلى الوراء، كالـ"فويس نوت" في "واتساب"، باتت مجالاً إعلامياً واسعاً (بدأ انتشاره في الصحافة يكبر عام 2016)، كما أصبحت له تطبيقات خاصّة، على شاكلة "كلوب هاوس"، الذي أتى ليحرّك استثمارات كبرى للشركات، ويلفت انتباهها إلى أرباحٍ كانت لم تتلقّفها بعد. إذ كان الأخير بمثابة تجربة ناجحة واضحة دفعت الشركات للمنافسة بسرعة في المجال، فسارعت الشركات لتحجز لنفسها قسماً من الأرباح، وشريحةً واسعة من المستخدمين، وآذانهم ووعيهم وبياناتهم. فحتى اليوم، أعلنت شركات كبرى عن توجّهها لتعزيز وجودها في مجال التدوين الصوتي، بينها "تويتر" و"فيسبوك" و"آبل" الأميركية و"سبوتيفاي" السويدية و"بايتدانس" الصينية. 

فتح كلوب هاوس شهية الشركات على أرباح مجال التدوين الصوتي

ويلقى التدوين الصوتي رواجاً واسعاً، تعكسه الأرقام، ويبرر الاستثمارات. إذ نُشِرت ما لا يقل عن 885 ألفا و262 تدوينة صوتية (بودكاست) جديدة على الإنترنت عام 2020، أي نحو ثلاثة أضعاف ما نُشِر في العام السابق (318 ألفا و517)، وفقاً لشركة "تشارتبل" المتخصصة، التي لاحظت أن نصف هذه التدوينات بلغة غير الإنكليزية. وأوضح تقرير أصدرته "تشارتبل"، في فبراير/ شباط الماضي، أن عدد التدوينات الصوتية (بودكاست) زاد 17 ضعفاً خلال خمس سنوات، مشيراً إلى أن عدد عمليات تحميل التدوينات تضاعف ثلاث مرات تقريباً في عام 2020، إذ زاد بنسبة 180 في المائة. وشرح أن نحو 30 في المائة من ملفات البودكاست التي تم تحميلها عام 2020 تحتوي على حلقة واحدة أو حلقتين فحسب، إلا أن نحو 23 في المائة، أي أكثر من 200 ألف، تحتوي حتى اليوم على أكثر من عشر حلقات. وسُجّل النموّ الأكبر في التدوينات باللغة الهندية (زادت 14.1 مرة)، ثم بالصينية (8.4 مرات)، فالبرتغالية (7.8)، في حين نمت بسرعة أقل التدوينات باللغتين الإنكليزية (1.9)، والفرنسية (2.4)، اللتين كان عدد التدوينات بهما كبيراً أصلاً.

وفي الولايات المتحدة، يستخدم محبو المدونات الصوتية خصوصاً بـ"سبوتيفاي"، تليها تطبيقات متخصصة تابعة لـ"آبل" و"غوغل" ثم منصة "باندورا" ومواقع البرامج وتطبيق "أوديبل" للكتب الصوتية من "أمازون"، بحسب إحصاء أجرته شركة "إي ماركتر" قبل عام، أي قبل ظهور "كلوب هاوس" وانتشاره الواسع. ووصلت قيمة "كلوب هاوس" إلى أربعة مليارات دولار، رغم كونه متاحاً حصراً لمستخدمي نظام "آي أو أس" من "آبل" وبناء على دعوات، بعد عام فقط على إطلاقه بسرية كبيرة في سيليكون فالي، بحسب "فرانس برس". 

وفي يوليو/ تموز الماضي، توقع تقرير سنوي صادر عن شركة متخصصة نمو إيرادات المدونات الصوتية في الولايات المتحدة بنسبة 14.7 بالمائة لمجمل العام 2020 لتقترب من مليار دولار. وشهد قطاع البودكاست نمواً كبيراً خلال الجائحة. وأفاد موقع "بودكاست إنداستري إنسايتس" بأنّ عدد التدوينات الصوتية زاد في 11 شهراً من مليون إلى مليونين على منصة "آبل بودكاستس". يؤدي كل ذلك إلى تدفق الأموال إلى هذا القطاع، حيث ضخت "سبوتيفاي" الملايين في قسم البودكاست الخاص بها، إضافة إلى شراء "أمازون" شبكة البودكاست الأميركية "وندري" في أواخر عام 2020 مقابل مبلغ كبير لم يكشف عنه.

زيادة في الإقبال على البودكاست ومنصاته، وتنوّع في المحتوى الخاصّ به، العام الماضي

ففي ظل السعي للإفادة من الشغف المتنامي بالابتكارات التقنية الجديدة على صعيد المحتويات الصوتية منذ بدء الجائحة، أعلنت "فيسبوك" أن مستخدميها سيتمكنون من "الاستماع إلى مدونات صوتية" (بودكاست) "مباشرة عبر التطبيق" الخاص بالشبكة خلال الأشهر المقبلة. بحسب "فرانس برس"، تنوي الشبكة الاجتماعية الزرقاء العملاقة إضافة أدوات لصنع المحتويات الصوتية واستحداث أنساق صوتية قصيرة، خصوصاً "غرف محادثة" صوتية مباشرة ("لايف أوديو رومز")، في خطوة مستوحاة من منصة "كلوب هاوس"، التي تحقق نجاحا كبيرا منذ أشهر وتتيح للمستخدمين الاستماع أو المشاركة في نقاشات صوتية.

وأشارت "فيسبوك"، الأسبوع الماضي، إلى أنها ستختبر خاصية تحمل اسم "لايف أوديو رومز" (غرف صوتية مباشرة)، في عشرات ملايين المجموعات الناشطة على المنصة. ومن المتوقع أن تكون متوافرة لجميع المستخدمين بحلول الصيف. كما سيتمكن المؤثرون على الشبكة (كالممثلين والناشطين) والهواة من استخدام أدوات جديدة لإنشاء المحتويات الصوتية، خصوصاً لتسجيل مقاطع صوتية ("ساوندبايتس")، وهو نسق سيخضع لاختبارات في الأشهر المقبلة. ويرتبط ذلك على سبيل المثال بنشر قصائد أو قصص قصيرة أو مقاطع كوميدية. وفي الغرف الصوتية (على غرار كلوب هاوس)، سيتمكن صانعو المحتوى من النفاذ إلى إمكانات لتحقيق الربح، بينها طلب التبرعات أو نماذج اشتراكات. وتشكل القدرة على در إيرادات للمؤلفين أو المقدمين أحد التحديات الكبرى في القطاع.

يتيح الاستماع إلى مدونات "بودكاست" مباشرة عبر "فيسبوك" تعزيز الشبكة كوكبة الخدمات التابعة لها (منتديات اللقاءات وخدمات التسوق والترفيه...)، لجعل المستخدمين يمضون وقتاً أطول عليها، ما يعزز إيراداتها الإعلانية. إذ تكثّف الشبكة الأميركية العملاقة جهودها منذ سنوات لمواكبة أحدث الصيحات ومتابعة الاستخدامات المحببة لدى الفئات السكانية الشابة، خصوصاً عبر تقليد الأنساق الجديدة والشبكات الرائجة. في آب/ أغسطس الماضي، أضافت "فيسبوك" خاصية "ريلز" على خدمتها "إنستغرام"، القائمة على نشر فيديوهات قصيرة شبيهة بالمحتويات المقدمة على "تيك توك". وتحت تأثير خدمة "زوم" للندوات عبر الفيديو ثم "كلوب هاوس"، وسّعت "فيسبوك" نطاق خصائص البث المباشر بالصوت والصورة على شبكتها وأيضا على "إنستغرام"، وهي التي كانت قد استنسخت ميزة القصص (ستوريز) من تطبيق "سناب شات" عندما راج قبل سنوات، فدمجته في تطبيقاتها جميعاً، حتى باتت الميزة على "إنستغرام" أكثر رواجاً من التطبيق الأصلي.

فيسبوك تعزز خدماتها لجعل المستخدمين يمضون وقتاً أطول عليها ما يعزز إيراداتها الإعلانية

لكن بعيداً عن استنساخات "فيسبوك" التي باتت معروفةً في سوق التكنولوجيا العالمي، تتّجه الشركات إلى الاستثمار بالصوت، كونه أسهل للتواصل وأسرع، كما ينقل نبرة الشخص المُرسِل، والتي تريح المتلقّي كونه يستطيع أن يستشفّ من ذلك القصد الواضح للشخص الذي يراسله، ولما في الصوت من حميميّة أعمق من الكتابة والقراءة. فقد أعلنت شركة "آبل"، الأسبوع الماضي، إضافة خيار يتيح للمدوّنات الصوتية (البودكاست) توفير إمكان الاشتراك فيها لقاء بدل مادي، وهو ما يشكّل نقطة تحول بعد 15 عاماً من إطلاق منصتها للاستماع التي ساهمت بشكل أساسي في الإقبال الشعبي الواسع على الخدمات الصوتية التي تشهد نمواً متسارعاً. وأوضحت المجموعة، في بيان، أنّ البرامج نفسها ستبقى متاحة مجاناً، لكن معدّيها سيمكنهم توفير صيغ محسّنة منها لقاء مقابل، ومنها مثلاً خيار "الاستماع من دون إعلان، أو الحصول على محتوى إضافي" أو حتى إمكان الاستماع إلى "حلقات حصرية أو تبث للمرة الأولى".

وتتبع "آبل" بذلك، التوجه نحو الرعاية أو التبرعات، بحيث يتيح للكثير من المدونات الصوتية إمكان الاعتماد على مستمعيها الأكثر ولاءً لتمويل جزء من إنتاجها، إلى جانب الإعلانات. وستتوافر الميزة الجديدة اعتباراً من مايو/ أيار المقبل في أكثر من 170 دولة، على أن يُترَك لكل منتج بودكاست تحديد سعر الاشتراك في مدوّنته.

أطلقت "آبل بودكاست" قبل 15 عاماً لتكون رائدة بالمجال

وسبق لشبكة "سبوتيفاي" العملاقة لبث الموسيقى أن أعلنت، في فبراير/ شباط، عن خطوة مماثلة متخلية عن نموذج عمل المدوّنات الصوتية المألوف الذي يعتمد خصوصاً على الإعلان والاستخدام المجاني الكامل. وتعمل الشبكة الأميركية أيضا مع "سبوتيفاي" لتحسين دمج خدمات المنصة السويدية العملاقة في مجال الموسيقى بالبث التدفقي على فيسبوك. وبحسب "فرانس برس"، تتيح هذه الميزة الجديدة لكل من "آبل" و"سبوتيفاي" استقطاب مواقع الرعاية الفنية، مثل "باتريون"، التي تتصدر السوق في هذا المجال، من خلال الإفساح لمنشئي المحتوى لتحقيق الإيرادات عبر منصاتها من خلال الإعلانات أو الاشتراكات الاختيارية المدفوعة. 

كما أعلنت منصة "سبوتيفاي" استحواذها على شركة "بيتي لابز"، المطورة لتطبيق التواصل الصوتي "لوكر روم"، في محاولة لمجاراة القطاع سريع النمو ومنافسة "كلوب هاوس". وتأسست "بيتي لابز" عام 2018. وفي أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه، طرحت تطبيقها "لوكر روم"، الذي يقوم على استضافة مناقشات صوتية حية حول أخبار الرياضة. وأفادت "سبوتيفاي"، في بيان، بأنها ستطور "لوكر روم"، ليكون منصة مفتوحة لـ"شريحة أوسع من المبتكرين والمعجبين". وكانت الشركة قد أكدت، نهاية فبراير/ شباط الماضي، أنها تسعى إلى خوض مجالات الصوتيات غير الموسيقية، وأنفقت ملايين الدولارات الأميركية لبناء "بودكاست" متكامل، يوفر واجهة إعلانية ومحتوى حصرياً.

من جانبها، تجرب "تويتر"، منذ كانون الأول/ ديسمبر، خاصية مساحات النقاشات "سبايسز" بعدما أطلقت التغريدات الصوتية (بمدة قصوى تبلغ 140 ثانية)، في حزيران/ يونيو الفائت، وهي جعلت الخدمة حصرية لمستخدمي "أندرويد"، محاولةً الاستفادة من الفراغ الذي تركه "كلوب هاوس" للنصف الآخر من مستخدمي التطبيقات. ومثل "كلوب هاوس"، توفر Spaces لمستخدمي "تويتر" مكاناً يمكنهم فيه التحدث إلى الأشخاص باستخدام الصوت. وتأتي "سبايسز" بميزات إضافية من أجل محاولة منافسة "كلوب هاوس"، من بينها نصوص الترجمة الفورية المولّدة بالذكاء الاصطناعي.

والشهر الماضي، نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر مطّلعة على المسألة، أنّ شركة "بايتدانس" الصينية، المالكة لـ"تيك توك"، تطوّر تطبيقاً مشابهاً لـ"كلوب هاوس" الأميركي الذي يحقق نجاحاً واسعاً في الفترة الأخيرة. وقال مصدران لـ"رويترز"، رفضا الكشف عن اسميهما، إن خطط "بايتدانس" لاستنساخ "كلوب هاوس" لا تزال في مراحلها المبكرة. وأشار أحدهما إلى أن المناقشات حول "تيك توك" و"بايتدانس" عبر "تيك توك" أثارت اهتمام المسؤولين التنفيذيين في الشركة، وبينهم الرئيس التنفيدي تشانغ يى مينغ. لم تعلق "بايتدانس" على المسألة. لكن يتوقع أن تنفرد التطبيقات المماثلة في الصين بخصائص محلية، تستوعب الرقابة الحكومية. علماً أن التطبيق الأميركي مُنع في الصين، في فبراير/ شباط الماضي، بعدما جذب مستخدمي الإنترنت الصينيين لمناقشة المواضيع المحظورة بحرية، بما فيها الاحتجاز الجماعي للإيغور والاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في هونغ كونغ ومفهوم استقلال تايوان.

المساهمون