شركة ديزني: اعتذار عن صمت ومحاباة

16 مارس 2022
تلوح شركة ديزني بورقة "الدعم المالي" أمام حلفائها ومعارضيها (كوستفوتو/ Getty)
+ الخط -

بعد موجة كبيرة من الانتقادات التي واجهتها شركة ديزني، يعتذر المدير التنفيذي لكبرى شركات العالم وأشهرها في مجال الترفيه والإعلام وإنتاج الرسوم المتحركة بوب تشابيك (Bob Chapek)، عن صمت الشركة السلبي إزاء تمرير مشروع قانون "حقوق الوالدين في التعليم"، من قبل مجلس الشيوخ في ولاية فلوريدا الأميركية.
ينص مشروع القانون الجديد، والذي أطلق عليه نقّاده اسم قانون "لا تقل مثلي الجنس" (Don't say gay)، على حماية "الحرية الفردية"، عبر منع المدارس العامة والشركات الخاصة في فلوريدا من جعل الناس يشعرون "بالذنب أو الكرب أو غيره من أشكال الضيق النفسي" على أساس عرقهم أو جنسهم أو أصولهم القومية، وذلك بتقييد المحتوى الدراسي حول مواضيع التوجه الجنسي والهوية الجنسية.
يقترح التشريع المثير للجدل أن الحصص الدراسية التي تتناول المواضيع السابق ذكرها "قد لا تُعطى في رياض الأطفال وحتى الصف الثالث، أو بطريقة غير مناسبة لسن أو نمو الطلاب وفقًا لمعايير الولاية". سيسمح مشروع القانون أيضًا للآباء بمقاضاة المدارس أو المعلمين الذين يتشاركون هذه الموضوعات مع طلابهم.
قد يدخل مشروع القانون الجديد حيز التنفيذ في الأول من شهر يوليو/ تموز، إذا ما تم توقيعه ليصبح قانونًا رسميًا. أمر يتزايد احتمال حدوثه، خاصة مع إعلان حاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتيس عن دعمه لمشروع القانون.
انتقد نشطاء ومناصرو مجتمع الميم قرار دعم التشريع، زاعمين أنه قانون ضبابي ومائع، يمكن تأويل نصه بطرق عدة، ما سيفتح المجال أمام الاجتهادات الفردية والمعايير الذاتية؛ فما يمكن اعتباره "سنًا مناسبًا" للنقاشات الجنسانية، قد يختلف جذريًا من شخص إلى آخر، ومن مجموعة اجتماعية، أو دينية، أو سياسية، إلى أخرى.
إضافة إلى هشاشة النص من الناحية التطبيقية، يؤكد معارضو مشروع القانون أنه سيضر بالمثليين اليافعين بسبب الامتناع عن تمثيلهم في الفصول الدراسية، محذرين من اتخاذهم إجراءات قانونية بحق ولاية فلوريدا لتحدي هذا التشريع المنحاز. وأضاف بيان أصدرته مجموعة محلية مناصرة لمجتمع LGBTQI+، أن محو وجود مجتمع الميم من الحصص الدراسية، يعني أن على الطلاب أن يشعروا بالعار، أو أن يقمعوا هوياتهم أو ميولهم الجنسية. وقد حاز القانون على تأييد بعض الجمهوريين المحافظين، لكنه لقي استنكارًا أوسع من معظم الأميركيين، وفي مقدمتهم الرئيس جو بايدن، الذي وصف مشروع القانون الجديد بالـ"كاره"، وأكد مساندته لأطفال مجتمع الميم، ورغبته في محاربة مشروع القانون الجديد.
ومن بين الانتقادات التي طاولت العديد من المؤسسات والشركات التي تمارس سياسة الحياد أمام ذلك التجاوز القانوني لحقوق الإنسان، برزت أصوات عديدة توجه أصابع الاتهام واللوم إلى شركة ديزني، بعدما أخبر رئيسها التنفيذي موظفيه بأن ديزني لن ترد على مشروع القانون علنًا، مضيفًا أنه ليس بوسع بيانات الشركة تغيير النتائج أو العقول إلا عبر المحتوى الملهم الذي تنتجه والثقافة الترحيبية التي تخلقها والمنظمات المجتمعية المتنوعة التي تدعمها. ادعاءات نفاها كل من عاملي شركة ديزني ومتابعيها، مذكّرين بأمثلة عديدة شوهت فيها ديزني صورة مثليي الجنس، عبر رسومها المتحركة الموجهة للأطفال واليافعين.
استجابت ديزني للصخب القائم عبر مذكرة أصدرها تشابيك، يوم الجمعة، وحصلت عليها شبكة "سي أن أن"، شاكرًا فيها كل من توجه إلى شركته برسائل تصف الإحباط والألم والحزن الناجم عن مشروع قانون فلوريدا. وكتب تشابيك أخيراً: "لقد ساعدني التحدث إليكم وقراءة رسائلكم والاجتماع معكم في الوصول إلى فهم أفضل لمدى إيلام صمتنا"، مؤكدًا أن مشروع قانون فلوريدا يمثل تحديًا آخر لحقوق الإنسان الأساسية. وختم مذكرته بالاعتذار الخالص من موظفيه ومجتمعه: "احتجتم إلي لأكون حليفًا أقوى في الكفاح من أجل المساواة وقد خذلتكم. أنا آسف".
فضلًا عن الاعتذار العلني الذي قدمه تشابيك، تلوح شركة ديزني بورقة "الدعم المالي" أمام حلفائها ومعارضيها، على حد سواء؛ إذ تعهدت على الفور بزيادة دعمها للمجموعات التي تعمل على مكافحة التشريعات المماثلة في ولايات أخرى، وأوقفت جميع التبرعات السياسية في فلوريدا بشكل مؤقت، ريثما تجد مناخًا أكثر مناسبة لـ"عطائها السياسي"، خاصة بعدما أشار العديد من الناشطين إلى المساهمات المالية التي قدمتها ديزني سابقًا لمشرّعي القرار وداعميه.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تدخل فيها ديزني صراعًا مع مجتمع الميم ومناصري حقوق المرأة؛ إذ تغص العديد من إنتاجات الشركة، خاصة تعاوناتها مع بيكسار، بإشارات عنصرية ومفاهيم تروج للتحيز الجنسي ورهاب المثلية والعبور الجنسي. إلا أن ديزني، كغيرها من شركات اليوم، تتخذ إجراءات قانونية ورقابية عديدة، من شأنها التكيّف مع الواقع الجديد، والارتقاء بـ"وعي الشركة" حول مفاهيم الهوية والتوجه الجنسي. وتشمل في خطة عملها، الأخذ برأي مناصري وأفراد الجماعات المهمشة في المجتمع لضمان مراعاة الصوابية السياسية في محتواها الفني، حتى أنها أنتجت العديد من الأفلام ببطل رئيسي مثلي الجنسية، منها فيلم Out (صدر في 2020)، مستفزة الرأي المحافظ الذي دعا إلى توقيع عريضة لإلغاء الفيلم القصير.

يصعُب محو تاريخ ديزني الطويل من الإهانات الموجهة لأفراد الجماعات المهمشة، مع أنها تبذل كل جهد ممكن لإزالة تلك السمعة السيئة عنها بخطوات فعالة وحقيقية لمواجهة الفكر الإقصائي، وذلك انسجامًا مع فرص الربح، وليس مع المواقف الأخلاقية أو "الجانب المحق" من القضايا؛ إذ يرى كثيرون ممن لا تنطلي عليهم حيل الشركات التسويقية، أن ديزني تروج لصورة الحداثة والتقدمية، وهي تفعل ما تفعله كجزء من استراتيجيات وسياسات باتت تُعرف بـ"الغسيل الوردي" (Pinkwashing)، وذلك عندما تساند الشركة قضايا محقة، كالمثلية الجنسية لأغراض تسويقية وترويجية، هدفها إخفاء فساد الشركة وعيوبها الأخرى.

ففي حين تدعي ديزني مناصرة قضايا مجتمع الميم من ناحية، إلا أنها تعرض موظفيها لساعات العمل الطويلة من ناحية أخرى، وتمنحهم أجورًا غير عادلة، فيما تتزايد أرباحها الصافية بشكل مستمر، فضلًا عن مزاعم كثيرة تشير إلى حوادث التحرش الجنسي في مكان العمل، وإجبار الموظفين على ارتداء أقنعة وأزياء الشخصيات التي تبتكرها الشركة، والسرقة الأدبية، والقسوة ضد الحيوانات عبر حدائق ديزني ومحمياتها العديدة.
تثير تلك المزاعم التي تلطخ سمعة ديزني منذ تأسيسها قلقًا مستمرًا لدى متابعي الشركة ونقادها، وفي مقدمتهم أفراد مجتمع LGBTQI+ ومناصروهم عبر العالم.

المساهمون