سينمائيون إيرانيون... قائمة سوداء واتهامات وقمع

24 اغسطس 2022
تشير أوساط إعلامية إلى أنّ الممثلة ترانة علي دوستي قد تُمنع من العمل (Getty)
+ الخط -

يبدو أن العلاقة بين الجهات الراعية للشؤون السينمائية الإيرانية، وسينمائيين إيرانيين، يشوبها توتر هذه الأيام، على خلفية توجّه منظمة السينما الإيرانية الحكومية، لنشر قائمة سوداء، تشمل أسماء السينمائيين الممنوعين من النشاط على خلفية مواقف وتصرفات وتصريحات صدرت من هؤلاء في مجالات غير فنية.
أشعل إعلان رئيس المنظمة، محمد خزائي، الثلاثاء الماضي، نشر القائمة السوداء، ردود فعل غاضبة، ما زالت تتوالى في الوسط السينمائي الإيراني حتى أيامنا هذه. ومن آخر هذه الردود، كتبت الممثلة الإيرانية البارزة، رخشان بني اعتماد، على موقع "سينما سينما" الإيراني، أن "الفنان غير المبالي بظروف المجتمع ليس فناناً. منع فناني السينما والمسرح من العمل، سواء أُعلن عنه أم لم يعلن، فهو يهدف إلى تخويف أهالي الثقافة والفن ليغمضوا عيونهم أمام ما يحدث". واتهمت بني اعتماد المنظمة السينمائية بأنها "تأخذ حق العمل والتعبير رهينة".
من جهته، رد المخرج والسينمائي الإيراني، ماني حقيقي، على التصريحات الأخيرة لرئيس منظمة السينما الإيرانية، بالقول إن "الفنان في أي بلد يحق له أن يخاطب شعبه بحرية وشفافية ووجهاً لوجه من دون تدخل الحكومة. يحق له أن يقول كلمته ويطلع على ردود فعل جمهوره"، مضيفاً أنه "للأسف في الظروف الراهنة هذا المبدأ تعرض للنسيان، وحلت مكانه مفاوضات غير شفافة وراء الكواليس ومساومات متعبة لزيادة أو خفض التعديلات (التي تطالب بها منظمة السينما حول إنتاجات سينمائية)". واعتبر حقيقي أن هذه التعديلات أو التصحيحات "رغبوية وغير عادلة في أغلب الأحيان".
من ناحيته، تطرق رئيس منظمة السينما الإيرانية، محمد خزائي، في حفل تكريم الصحافيين العاملين في مجال السينما، إلى مسألة منع سينمائيين من النشاط السينمائي، بعد أن راجت أنباء في الأوساط الفنية الإيرانية، خلال الشهور الأخيرة، عن منع عدد من المخرجين.
فمن دون تسمية شخص بعينه، قال خزائي، إنّ "ثمة مشاكل حول بعض الأشخاص الموقعين على بيان (حول احتجاجات خوزستان بالعام الماضي)، كذلك ثمة مشاكل أخرى قد حدثت حول المشاركة في مهرجان كان السينمائي"، مشيراً إلى أنه "سيتم الإعلان عن أسماء الفنانيين الممنوعين من العمل (هذا الأسبوع) فضلاً عن أنه سيتضح وضع السينمائيين المرتبطة أسماؤهم بقضية البيان حول خوزستان ومهرجان كان". وأوضح خزائي أن منظمته حاولت خفض عدد الممنوعين من العمل من السينمائيين، مشيراً إلى أن العدد الإجمالي لمن سيُمنع من العمل بين خمسة أو ستة أشخاص.

خزائي: ثمة مشاكل حول بعض الأشخاص الموقعين على بيان حول احتجاجات خوزستان

وخلال احتجاجات العام الماضي لأهالي بعض مدن محافظة خوزستان جنوب غربي إيران، أصدر سينمائيون إيرانيون بياناً حمل طابعاً انتقادياً شديد اللهجة، للسلطات والأجهزة الأمنية.
كما أثارت مشاركة أفلام إيرانية، وتصريحات ممثلين إيرانيين في مهرجان كان السينمائي (2022)، انتقادات وغضب السلطات والأوساط المحافظة الإيرانية. فالفيلم الإيراني "عنكبوت مقدس"، نال النصيب الأكبر من الانتقادات لاتهامه بأنه مثّل "إهانات" للمقدسات الإسلامية لدى الطائفة الشيعية؛ فصدرت بيانات متعددة في إيران، ضد "عنكبوت مقدس"، الحائز إحدى جوائز مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الأخيرة. فضلاً عن أن فيلم "إخوة ليلى" شارك في المهرجان، من دون أن يحصل مسبقاً على الترخيص اللازم من السلطات السينمائية الإيرانية.
وحسب السلطات، فإن مخرج الفيلم سعيد روستاني، رفض إجراء "تعديلات" عليه. وخلال يونيو/حزيران الماضي، أعلنت منظمة السينما الإيرانية، حظر عرض الفيلم داخل إيران، بسبب "مخالفات وامتناع المنتج والمخرج من العمل وفق المقررات"، مشيرة في بيان إلى أن الحظر سيبقى قائماً "ما لم تُزل أسباب منعه من العرض".
وصدرت تصريحات من بطلي فيلم "إخوة ليلى"، الممثل بيمان معادي، والممثلة ترانة علي دوستي، حملت انتقادات لوضع إيران الاقتصادي. وأثارت تصريحات الممثلين انتقادات في إيران، لتتهمهما وكالة "فارس" المحافظة بتجاهل العقوبات الأميركية و"لعب دور المنظر الاقتصادي" في "كان".
وخلال يونيو/حزيران الماضي، قال وزير الثقافة الإيراني، محمد مهدي إسماعيلي، في معرض رده على سؤال مراسل وكالة "فارس" بشأن قيام بعض الوجوه السينمائية المعروفة بـ"الترويج لصورة سوداوية" عن إيران في المهرجانات الخارجية، إن "منظمة السينما لوزارة الإرشاد والثقافة تصدت بشكل حازم، ويتم حالياً اتخاذ الإجراءات اللازمة في مسارها القانوني"، متوعداً "كل من ينتهك القوانين والمعايير القانونية في البلاد"، بإنزال العقوبات التأديبية بحقه.
في هذا السياق، تشير أوساط إعلامية إلى أن الممثلة ترانة علي دوستي قد تُمنع من العمل. وعلّقت الفنانة على تصريحات رئيس منظمة السينما الإيرانية، محمد خزائي، بقولها: "تريد منع خمسة أو ستة أشخاص من العمل من دون محاكمة أو جرم. لكن المنع من أي عمل؟ كم هو مؤسف أن يكون ثمن هذا الإجراء هو حياة الأشخاص. هذا فعل عبثي، والذي ترتكبونه ليس تنفيذاً للقانون، وإنما هو ممارسة القوة".
وتواصل علي دوستي، انتقاداتها لمنظمة السينما الإيرانية: "كم كانت هناك أفلام كثيرة، لم تريدوا إنتاجها لكنها صُنعت، وكم كان كبيراً عدد من لم ترغبوا بظهورهم، لكنهم ظهروا وعُرفوا".

واجهت ردود فعل هؤلاء السينمائيين، انتقادات في صحف إيرانية محافظة، منها صحيفة "جام جم" التابعة للتلفزيون الإيراني؛ إذ اعتبرت أن ردود فعل سينمائيين، أمثال ماني حقيقي، ورخشان بني اعتماد، وسعيد روستايي، وترانه علي دوستي، نابعة عن "انفعال"، متهمة إياهم بـ"تعقيد الوضع أكثر وتوتير أجواء السينما"، ومحملة إياهم مسؤولية "هذه الأوضاع وانتهاك القوانين".
من جهتها، دعمت صحيفة "همشهري"، التابعة لبلدية طهران، في عددها الصادر الأحد الماضي، منع الممثلة ترانة علي دوستي من العمل السينمائي، متهمة إياها بممارسة "الكذب ضد البلد في مهرجان خارجي وعليها أن تنتظر منعها من العمل".

في الأثناء، أكدت أوساط حقوقية إيرانية، أن منظمة السينما الإيرانية، غير مخولة قانونياً باتخاذ قرار بمنع سينمائيين من العمل، وحرمانهم من مزاولة أعمالهم التي تشكل مصدراً لرزقهم، يقول المحامي كامبيز نوروزي، لموقع "خبر أونلاين" إن "شخصاً ما، سواء كان متهماً أو مجرماً، لا يحق للمنظمة السينمائية منعه من العمل، ما دامت المحكمة لم تصدر قراراً بهذا الشأن".
كذلك، نقلت صحيفة جام جم الإيرانية، في عددها الصادر السبت الماضي، عن "مسؤول مطلع" في منظمة السينما الإيرانية، قوله إن رئيس المنظمة "لم يقصد أنها هي التي ستمنع سينمائيين من العمل، ربما الإعلان عن ذلك يكون عبر المنظمة السينمائية، لكنها غير معنية بالقرار حول هذا الموضوع والحالات المشابهة".

المساهمون