"سكون" دينا ناصر: تكثيفٌ دراميّ وتمثيل حِرفيّ

04 سبتمبر 2024
ملك نصّار في دور هند: صلابة شخصية واتقان أداء (الملف الصحافي)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **حب هند للكاراتيه وتحدياتها الشخصية:** هند، التي تعشق الكاراتيه، تسعى للوصول إلى مرتبة أولى في مدرستها للمشاركة في بطولة دولية، رغم غياب الأب وإصابتها بعطب في حاسة السمع.

- **روتين الحياة اليومية وتصوير الفيلم:** الفيلم "سكون" (2024، 19 دقيقة) من إخراج دينا ناصر، يعرض روتين هند وندى بطريقة تبسيطية، مع تصوير متنوع يمنع الملل، ويتميز بكثافة درامية وسرد مضبوط.

- **تفاعل الشخصيات والصوت في الفيلم:** دينا ناصر تقدم شخصيتي هند وندى بوضوح، مع إتقان في تصميم الصوت، مما يعزز التفاعل مع حالتي هند. الفيلم يشارك في مسابقة الأفلام القصيرة في مهرجان طرابلس للأفلام 2024.

هند (ملك نصّار) تعشق الكاراتيه. تجهد في بلوغ مرتبةٍ أولى في مدرستها، لتتمكّن من المشاركة في بطولةٍ دولية. تُقيم مع والدتها ندى (سهاد الخطيب)، المهمومة بها، فالأب غائب، والابنة مُصابة بعطبٍ كبير في حاسة السمع، والحيوية جزءٌ من يوميات مُراهقةٍ تُتقن مواجهة التحدّيات رغم ذاك العطب، أو ربما بسببه. مُدرّبها سعيد (نديم الريماوي) متفائلٌ بهذا، إذْ يجد فيها طاقة وحِرفية وعناداً جميلاً، ويشعر أنّ هذا كلّه سيساهم في تحقيق المُراهقة رغبتها.

روتينٌ عادي تعيشه هند وندى يومياً، في "سكون" (2024، 19 دقيقة) للأردنية الفلسطينية دينا ناصر، المعروض أولاً في "أجيال" الدورة الـ74 (15 ـ 25 فبراير/شباط 2024) لـ"مهرجان برلين السينمائي". لهند خصوصيةٌ، تُدركها ندى وتحترمها، وتتفهّم حاجات ابنتها وطموحها وحيويتها. والروتين هذا، إذْ يوحي بملل أو ثقلٍ، يُصوَّر بتبسيطٍ ليُصبح مساراً حياتياً غير مُملّ وغير ثقيل، واللاحق يؤكّد هذا. تصوير (إيريك ديفين) ينتقل بين إضاءة ملوّنة وعتمة يفرضها ليلٌ وشتاءٌ. وهذا يتلاءم مع سرد حكاية والتقاط حالةٍ يحصّنان النصّ السينمائي (سيناريو ناصر) من إطالةٍ تصنع مللاً وثقلاً أحياناً، وهذا لا علاقة له بأنّ الفيلم قصيرٌ، إذْ يحدث أنْ يكون فيلمٌ قصيرٌ مملاً وثقيلاً، إنْ يقع في ثرثرة وفراغ. "سكون" مُكثَّف درامياً ومضبوط سردياً، ولا فراغ فيه أو ثرثرة.

 

 

بسلاسةٍ وشفافية وهدوء، تُقدّم دينا ناصر ملامح شخصيتي هند وندى، ومعالم الحيّز المكانيّ المُقيمتين فيه، والعالم المحيط بهما. بإتقانٍ وحِرفية، يساهم الصوت (تصميم وميكساج إنْسِيه مَلكي) في صُنع الحكاية، بما يتوافق ومُصاب هند، وهذا يُقوّي التفاعل مع حالتين: أولى خاصة بهند، وثانية خاصة بكل شيء وبكل أحد خارج هند. فتصميم/ميكساج الصوت يحدّدان الفاصل بين الحالتين، وفي الوقت نفسه يُدخلان إحداهما بالأخرى، فهناك حاجة إلى التداخل أحياناً، في مقابل أولوية الفصل، لأنّ المُراهِقة مندفعةٌ ومتماسكة وذات شخصية قوية، ما يعني أنّ لها استقلالية تتطلّب فصلاً كهذا.

يتوغّل "سكون" في ذاتٍ وروح وانفعال، مع كاميرا تلتصق بهند أحياناً، لجعل مُشاهِدٍ مهتمّ يرغب في فهم الحاصل في ذاتها وروحها وانفعالها، وتبتعد قليلاً عن ندى وآخرين، فالمسافة معهم أفضل لكشف حضورهم في كلّ لحظة، ولتبيان تأثيراتٍ يُنتجونها في علاقتهم بهند أساساً، فتكون المسافة مرآة لهذين الكشف والتبيان.

لكنّ هناءً حاصلاً في تلك اليوميات، معطوفاً على حيوية هند وطموحها وحماستها واندفاعها، وعلى توتّر ندى وقلقها ومثابرتها على الإحاطة بابنتها، والإحاطة ظاهرة حسّياً وعاطفياً؛ هذا الهناء ينكسر فجأة، إذْ تتعرّض هند لفعلٍ مرفوضٍ، لكنّه يُصيبها بعطبٍ آخر، يدفعها إلى عزلةٍ وانغلاقٍ أكبرين، فيحدث انفصالٌ إضافي بين عالمها وعالم ندى، التي لن تعرف الحاصل مع ابنتها، لكنّها تظنّ أنّ أمراً ما له علاقة بالمباراة الدولية المنتظرة سببُ ذلك.

إنْ يكن "سكون"، المُشارك في مسابقة الأفلام القصيرة في الدورة الـ11 (19 ـ 25 سبتمبر/أيلول 2024) لـ"مهرجان طرابلس للأفلام" (شماليّ لبنان)، مرآةَ حالةٍ تمثّلها مُراهِقةٌ، والمُراهَقة مُتعبِةٌ أصلاً، فإنّ ملك نصّار بارعةٌ في تأدية دورها، ومنسجمة مع متطلّباته، ومتفاعلة مع خصوصية هند. بحركتها وسلوكها وتعاطيها مع المسائل والناس، تُقدِّم نصّار دوراً متماسكاً وجاذباً، وهذا غير حائل دون تنبّه إلى تمثيلٍ آخر، متوافق ووظيفته الفنية والدرامية، والبشرية أيضاً.

المساهمون