انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي في فلسطين بتعليقات تتهكم على القرار الذي صدر أمس الأحد، من محكمة فلسطينية في مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة، ببطلان وعد بلفور الصادر عام 1917، وتحميل المملكة المتحدة المسؤولية الكاملة عن تسهيلها، كقوة انتداب على فلسطين، قيام "دولة" إسرائيل عام 1948، وتهجير أبناء الشعب الفلسطيني.
الفلسطيني جميل زاوياني يريد أن يعرف "أين يرفع دعوة ضد أبو جهل وأبو لهب؟"، وعمار حسيبا يسأل عن محامٍ لرفع قضية على هولاكو، فيما يسأل عز سلعوس عما "إذا كانت بريطانيا تعلم أن هناك قضية رفعت عليها بمحكمة نابلس!".
ومقاضاة بريطانيا بصفتها المسؤول الأول عن نكبة الشعب الفلسطيني، حدث لطالما انتظره الفلسطينيون لعقود طويلة، لكنهم حولوه إلى مادة ساخرة بامتياز، وهو ما أرجعه متابعون إلى عدم واقعية المحاكمة أولاً، و"البهرجة" الإعلامية التي واكبت الحدث، وإلى طبيعة الشخص الذي يقف وراء رفع القضية.
بدوره، لم يتمالك الناشط محمد بوايعة نفسه من الضحك خلال مشاركته مقطعاً مصوراً مع متابعيه تحدث فيه عما جرى في المحكمة وما تلا ذلك من تنظيم "حفل غنائي" أمام مبناها احتفاءً بالقرار.
وعلّق المهندس رشيد صالح على ما جرى بقوله "شفتوا اللي صار بالمحكمة، سوف أضيفه لملف الهجرة"، مضيفاً "مسخرتنا واصلة لبعيد، أبعد مما نتخيل؛ على كل حال سأرفع قضية على ريتشارد قلب الأسد".
أما الكاتب سامر عنبتاوي فكشف أن رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون قد قدم استئنافاً لمحكمة بداية نابلس، والتماساً للمحكمة العليا الفلسطينية لوقف القرار. كذلك تساءل في منشور آخر فيما إذا كانت السجون الفلسطينية مهيأة لاستقبال السجناء البريطانيين!
الحيرة والاندهاش مما جرى في محكمة نابلس طاولا الصحافيين، وحاول الإعلامي غياث جازي الالتفاف على ما جرى من خلال تقديم معلومة لغوية تتعلق بعبارة "يحيا العدل" وهو الهتاف الذي أطلقه رافع القضية رجل الأعمال الفلسطيني الملياردير منيب المصري بصفته رئيس تجمع الشخصيات الوطنية، عقب صدور القرار، وكتب جازي: "لأصحاب الشغف باللغة وعلى سيرة (يحيا العدل) خذوا هذه المعلومة: إذا كانَ (يحيا) فعلاً فإنها تُرسم ألفُه ممدودةً، أمّا إذا كان اسمًا رُسمتْ ألفهُ مقصورةً لتمييزهِ عن الفعلِ. فنقول: يَحْيَا العدل".
لكنه في منشور كان أكثر جدية، عندما تساءل عن جدوى ما حصل؟ حيث قال: "ينعقد لساني، ولأنّني أدركُ أنّ الأفعال تُقاس بجدواها تمامًا مثل المشاريع الاقتصادية التي يحتّم على المقبلين عليها دراسة الجدوى، أو قرارات الحرب والسلم". وتابع، "لذا، فإنّني أتساءل عن الجدوى السياسية والقانونية لمحاكمة بريطانيا في محكمة فلسطينية، وصدور قرارٍ بتضمين بريطانيا المسؤولية القانونية وتبعاتها الناشئة عن (وعد بلفور)".
أحد الردود على تعليق جازي أكد أن الذهاب للمحاكم الدولية يتوجب في كثير من الأحيان أن تتم محاكمة الفاعل في المحاكم المحلية بداية، ليتم التوجه إلى المحاكم الدولية، مدللاً على ذلك بقيام دولة الاحتلال بمحاكمة الجناة من مستوطنين أو جنود في محاكمها لقطع الطريق على المحاكم الدولية.
الحادثة فتحت الباب أيضًا على مصراعيه بشأن أداء الجهاز القضائي الفلسطيني الذي بت خلال أشهر في ملف مقاضاة بريطانيا، بينما تأخذ قضايا أبسط من ذاك بقليل سنوات طويلة. وقال يوسف يعيش: "بما أن محاكمنا عندها كل هذه الشفافية وسرعة إصدار الأحكام، كان الأولى أن تحكموا بين المتخاصمين بالعدل ولا تماطلوا بالبت بالقضايا لسنوات، يكفي استهتارًا واستخفافًا بعقول البشر".
الرأي ذاته ذهب إليه الصيدلاني شداد عبد الحق الذي قال: "إن قاضياً محترماً وسلطة قضائية متخمة بآلاف القضايا المدورة (بعض التقارير العائدة لـ (2017-2020) تقول إنها تتجاوز 4 آلاف قضية)، وإعلاماً (يتنطط) نحو الإثارة وموظفين حكوميين يتقاضون رواتبًا من الموازنة العامة الممولة ضريبياً، كل هؤلاء اتفقوا على أن يكملوا مشهد الملهاة أو المأساة حباً أو كرهاً على حساب وقتنا ومالنا وصورتنا التي مُسخت".