كان على العاملين في مؤسسة عبد المحسن القطّان، إضافة صفيّن من الكراسي، بعدما امتلأ المسرح بالقادمين لمتابعة عرض ستاند أب كوميدي "بلد" في قاعة المؤسسة. العرض قدّمته مجموعة من الفنّانين الفلسطينيين القادمين من بقاع مختلفة، إلى جانب الجولان السوري المحتل. وقد شهد تفاعلاً لم يقتصر على مدّة العرض التي قاربت على الثمانين دقيقة، بل تواصل على شكل نقاشات، وملاحظات، وإطراءات، في الساحة الخارجية مقابل المسرح، مساء السبت.
نظّم العرض نادي الكوميديا الفلسطيني، وهو مبادرة فنية مشتركة تقف خلفها مخرجة الكوميديا البريطانية سام بيل والفنان المسرحي الفلسطيني علاء شحادة من جنين، وهو مخرج العمل وأحد المشاركين فيه، فضلاً عن: حنا شماس من حيفا، ورائد الشيوخي من الخليل، وإباء منذر من الجولان، وديانا السويطي من بيت عوا قرب الخليل، وخليل البطران من إذنا قرب الخليل.
لم تكن التلقائية في العرض عشوائية بل مدروسة، وبعيدة عن التهريج، وبالاتكاء على المواقف التي قدمتها بل جسدتها الفنانات والفنانون أمامنا، على طريقتهم الخاصة، سواء في الكلام، أو إيماءات الوجه، أو تعبيرات الجسد التي تراوحت ما بين أداء مسرحي أو راقص أو أكروباتي في إطار ستاند أب كوميدي.
وقدّم كل واحد من الفنانين فقرة منفردة، تناول فيها شيئاً من حكاياته الشخصية، وشيئاً من الواقع المجتمعي في جغرافيته، والواقع الاقتصادي والسياسي الذي رغم خصوصيته أحياناً يبقى جامعاً. هكذا تابعنا حكايات "الفنان الهبيلة" و"السرفيس" و"المقاومة" وغيرهما لعلاء شحادة، كما تطرّق خليل بطران إلى الاختلاف الثقافي حد الصدمة ما بين إذنا في الخليل ورام الله. بينما روت ديانا السويطي حكاية "الثلاجة" وحوّلتها إلى مساحة لنقاش جدلية الذكورة والأنوثة. أما رائد الشيوخي فتناول خصوصيات الخليل، فيما كانت "اليوغا" وحديث "البحر والجبل" لحنا شمّاس بمثابة إضاءة على المحاولات المستمرة للتماهي مع فلسطينيته التي يريدها... ومن الجولان المحتل كانت لإباء منذر فقرة عن العلاقات المجتمعية خصوصاً بين الأم وابنتها، ولا سيما ما يتعلق بـ"الزَّن" على ضرورة "الارتباط" وغيرها لإباء منذر. وقد أصرّ الجميع على استحضار غزة الغائبة عبر فنّان يمثلها في اللوحة الجماعية الأخيرة لـ"بلد".
وترسخت بعض الكلمات التي كررها عدد من الفنانين المشاركين في العرض، في أذهان المشاهدين، مثل "أنا آسف" التي أعادها حنا شمّاس، و"مالك" لرائد الشيوخي، و"يو يو" لخليل البطران، وغيرها.
وبرزت الإدارة الفنية الإبداعية الإخراجية في "بلد"، على أكثر من مستوى كإدارة الحركة، وإدارة الفنانين، خصوصا في اللوحات الثنائية والجماعية، وفي بعض التدخلات المؤثرة إيجابياً، على بساطتها الشكلية، لا سيما عبر ذلك التدخل العفوي واللاعفوي في آن لفنانين في فقرات زميلات أو زملاء لهم في العرض، مع عدم إغفال التصميم والصوتيات والموسيقى الإلكترونية والمسجلة والحية، علاوة على التقنيات التي كان لها، كما لسابقاتها، إضافات لا يمكن تجاهلها في العرض الذي عبّر عن مشاكل بل مآسي "البلد"، بالاتكاء على تجارب خاصة، فكان أن فاض بما في نفوس الكثيرين من المشاهدين.