نجح علماء في رصد ظاهرة نادرة جداً حصلت على بعد 8.5 مليارات سنة ضوئية من كوكب الأرض، ويبدو فيها ثقب أسود ضخم يلتهم نجماً، ثم يلفظ فضلات "وجبته" على شكل دفق مضيء.
للثقب الأسود جاذبية ثقالية تجعل أي نجم يقترب منه يتمزق، إذ إن المادة التي يتكون منها النجم تتفكك، ثم تدور بسرعة كبيرة حول الثقب الأسود، قبل أن يبتلع جزءاً منها إلى الأبد. ونادراً ما تكون هذه الظاهرة المسماة "تمزق المد والجزر" مصحوبة بانبعاث دفق ضوئي قوامه جسيمات، ويتأتى هذا الدفق من مادة النجم، ويكون عابراً، وينتقل بسرعة قريبة من سرعة الضوء.
وأفادت دراستان، نُشرتا هذا الأسبوع في مجلتي نيتشر ونيتشر أسترونومي، بأن المرة الأخيرة التي رُصد فيها حدث من هذا النوع تعود إلى عام 2012.
2/ Stars that wander too close to a black hole are ripped apart by the incredible tidal forces of the black hole in what is known as a tidal disruption event (TDE). Approximately 1% of these cause jets of plasma & radiation to be ejected from the poles of the rotating black hole pic.twitter.com/xYlNX2JU4y
— ESO (@ESO) November 30, 2022
وابتُكرَت منذ ذلك الوقت وسائل رصد جديدة، بينها كاميرا ذات قدرة كبيرة مثبتة على مرصد بالومار في كاليفورنيا، تتيح "إجراء مسح للسماء"، وفق ما شرحت الباحثة التابعة للمركز الوطني للبحث العلمي في مرصد Paris-PSL سوزانا فيرغاني.
وأوضحت عالمة الفيزياء الفلكية التي شاركت في الأبحاث، لوكالة فرانس برس، أن هذا التلسكوب "يرصد كل ليلة عشرات التدفقات المضيئة في السماء، ويستطيع اختيار أبرزها".
وبالفعل، بدا أحد هذه التدفقات خارجاً عن المألوف، إذ لم يكن من نوع المستعر الأعظم أو "سوبرنوفا" (انفجار نجم في نهاية حياته ينتج لمعاناً غير عادي)، ولا كان من نوع انفجار أشعة غاما (أقوى مصدر ضوء في الكون).
وسعياً لتوفير رؤية أكثر وضوحاً، نسّق عدد من علماء الفلك المتعددي الجنسيات في ما بينهم لتجييش أدوات من كل أنحاء العالم، لمراقبة الظاهرة على مجموعة متنوعة من الأطوال الموجية، من الأشعة السينية إلى موجات الراديو.
ومن هذه الأدوات التلسكوب الراديوي نويما الموجود في جبال الألب الفرنسية، وجهاز الطيف في التلسكوب الكبير جداً التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي في تشيلي.
وتوصّل العلماء إلى أن الدفق الضوئي نشأ على بعد ما يقدر بنحو 8.5 مليارات سنة ضوئية من الأرض، حول ثقب أسود يحتمل أن يكون كامناً في مركز المجرّة المضيفة.
وهذا الدفق الذي أُطلقت عليه تسمية AT2022cmc "هو بقوة تفوق بمليار مرة لمعان الأشعة السينية لشمسنا"، على ما أوضحت سوزانا فيرغاني. أما مدته فقصيرة جداً، وهي 30 يوماً. وأضافت الباحثة أن "الدفق AT2022cmc عابر، على عكس التدفقات المتأتية من نوى المجرات النشطة التي تمتد على مقاييس أكبر بكثير". ويبدو أن هذا الدفق نتج عن تمزيق الثقب الأسود النجم.
ومن غير المرجّح أن يكون الدفق متأتياً من الضوء الذي ابتلعه الثقب الأسود، إذ لا شيء يمكن أن يخرج من هذه "الغيلان الكونية"، لكنه ناجم على الأرجح عن قرص تراكم المادة المحيط بالثقب الأسود الذي يقذف الجسيمات الموجودة في نهاياته، تماماً "كأنبوب معجون أسنان مضغوط"، على ما شرح المرصد الأوروبي.
وهذه الظاهرة التي لا تزال غير مفهومة جيداً، يمكن أن تكون ناجمة عن سرعة دوران الثقب الأسود، إذ يدور على نفسه بسرعة تتيح له إنتاج هذا الدفق.
ومن المفترض أن يتيح التلسكوب العملاق المستقبلي إل إس إس تي، الجاري إنشاؤه في تشيلي، رصد التدفقات الأخرى من هذا النوع، وبالتالي فهم البيئات القصوى المحيطة بالثقوب السوداء بشكل أفضل.
(فرانس برس)