يكتب الفلسطينيون رسائل من غزة حيث يتعرضون لحرب إبادة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ينعون أهلهم وأصدقاءهم وزملاءهم وجيرانهم وحيواناتهم... كما يقدمون لنا نظرة عن معنى أن تكون إنساناً يشهد على إبادة شعبه.
نشرت الحكواتية وصانعة المحتوى بيسان عودة فيديو لنفسها على الشاطئ في غزة، وكتبت بالإنكليزية: "قبل السابع من أكتوبر، وقبل أن يدمّر الجيش الإسرائيلي أرضنا، اعتدت أن أقصد البحر كل بضعة أيام... أنا نازحة منذ 85 يوماً، وهذا الفيديو يوثق اللحظة الوحيدة التي أحسست خلالها، طوال الفترة الماضية، أنني في داري مجدداً! اليوم رأيت البحر!".
المصوّر الشاب معتز عزايزة كتب في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي: "البقاء على قيد الحياة أكثر إثارة للتوتر من الموت. حين تموت، على الأقل، ستتوقف عن الشعور بأي شيء. لم يكن أمامنا خيار أبداً (...) أنا مصوّر أردت التقاط الجمال الذي تراه عيني، لا توثيق الإبادة الجماعية بحق شعبي".
في 20 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كتبت الشاعرة هند جودة من غزة: "ملابسَنا يغسلها البحرُ، ذلك البحرُ الذي ما زال يحافظُ على لونِه الأزرق، في تواطؤ مدهشٍ مع الحياة! ملابسُ تنشِفُها شمسٌ مُتعَبة، شمسٌ ترتجفُ خوفاً من الانفجاراتِ، من صرخاتِ القلوبِ التي انطفأت أو تكاد! وتشحُبُ أمامَ اختفاء اللونِ الأخضر! في غزة الآن، يحتفلُ الرماديُّ بدورِ البطولةِ. في الصورِ التي لا يتوقفُ التقاطُها لسقوطِ المنازلِ فوق الأجساد، سقفاً تلو سقفٍ مثل شُهبٍ محترقةٍ، تحفرُ في الأرضِ أمتاراً من الرعبِ، تُغيّر مفهومَ الأرضِ والسطحِ، يُصبحُ الطابقُ العلويّ على قدرِ قامةِ الرعبِ تماماً، يسقطُ المبنى بكاملِ هيبَتِهِ مجللاً بجالوناتِ الماءِ الفارغةِ وأطباقِ استقبال الإرسالِ المقطوع! وتحارُ، أين ذهبَ الناسُ؟ ثم تفاجِئُكَ بقعةُ دمٍ، قدمٌ أو ساقٌ، وربما خمسةُ أصابعَ تمكنت من النجاةِ! تعرفُ الآن إجابةَ الأسئلةِ، لكنك تستمرُ في السؤال!".
في 29 أكتوبر، كتب الشاعر أحمد رأفت مرتجى من غزة: أحمد الخارج من تحت الركام يتحدث إليكم.. المستنشق لآلاف الأطنان من الغبار، لوني رمادي (في حال احتاج الأمر أن تعرفوا لوني)، الذي لم يتمكن من عدّ أفراد أسرته المنقسمين ما بين اللون (الأحمر، والرمادي)، هذا إن تمكنت من أن ترى الألوان. الألوان هنا لا تملك رفاهية اختيارها، الأحمر: أنت مليء بالدم، الرمادي هذا يعني أنك فقط احتضنت البيت وبيوت الجيران وحجارتهم وخرجت منها تتنفس.
أحمد الذي شاهد الموت قبل قليل، ولم تسعفه خبرته في الدعم النفسي في أن يتجاوز حاجز صراخ الأطفال، الأمهات. لم تسعفني كلماتي في صياغة شيء من الكلام يربّت على صدور الأطفال، أصلاً لم أشاهد أحداً.. كنت فقط أعرف أنهم أحياء من صراخهم (وهذه نصيحة لك، اعرف صراخ أحبائك.. فهي الطريقة الوحيدة التي يمكنك بها تمييزهم فيما إذا كانوا أحياء أم لا). أنا أحمد أكره كل ما لدي من أحلام، لم يتبق لي ذكريات جميلة أعرفها، لم يتبق لي أصدقاء أميزهم، بيت آمن أكون فيه. أحمد، وأكره العالم الذي لا يستطيع إيقاف حرب أكبر من قلبي وقلوب الأطفال. أنا أحمد ولا أريد ترتيب هذا النص لعجلتي، لربما لن أتمكن من نشره قبل أن تُخطئني قذيفة أخرى وأرى أنا وهو النور".