رحل الاثنين الفنان الفلسطيني مصطفى الكرد، وهو مغنّ وعازف ومسرحي ولد عام 1945 في مدينة القدس التي كرسّ لها جزءاً كبيراً من إنتاجه الفني، وفق ما أعلنت عائلته.
ونعى العديد من الفنانين والموسيقيين والمسرحيين والمثقفين الفلسطينيين، داخل البلاد وخارجها، مصطفى الكرد، معبرين عن حزنهم على الخسارة الكبيرة التي وقعت برحيله.
وأشار المدير العام للمسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي)، عامر خليل، إلى أنّ فرقة الحكواتي عند تأسيسها في التاسع من مايو/ أيار 1984، أهدت افتتاح مسرحها للراحل مصطفى الكرد، تقديراً لدوره الكبير في تاريخ المسرح والغناء بفلسطين، وكان ذلك بعد عودته من برلين، عقب إبعاده من السلطات الإسرائيلية لسنوات.
ولفت خليل، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن مصطفى الكرد وفرانسوا أبو سالم أسسا لنمط مسرحي خاص بعد نكسة العام 1967، يحمل اسم "عرض فني"، يمزج ما بين المشهد المسرحي الذي يعدّه فرانسوا، وفقرة غنائية لمصطفى، في وقت سبق تأسيس الفرق المسرحية الفلسطينية في القدس، مشيراً إلى أنّهما "كانا سبّاقين في تقديمهما لنموذج فني وطني تذوب فيه الذاتية لصالح الجماعة".
وقال خليل إن "الكرد لعب دوراً في تأسيس غالبية الفرق المسرحية الفلسطينية، خاصة في سبعينيات القرن الماضي، خلال فترة الحراك الثقافي الفني المقاوم، كما تفرّد في بناء عالمه الموسيقي الخاص، وكان له دور كبير في نقل الفن الفلسطيني إلى أوروبا، عبر ما سجله وقدمه هناك، خلال سنوات إبعاده".
وذكّر خليل بالدور البارز للراحل في تأليف موسيقى الأعمال المسرحية وأغنياتها، مثل "مع القلعة" و"عنتر" و"ألف ليلة وليلة" و"عيد قنديل" من إخراج عامر خليل عن قصائد للشاعر الفلسطيني الراحل حسين البرغوثي، وغيرها.
وكشف خليل لـ"العربي الجديد" أن الكرد اعتقل إثر إصداره ألبوم "أطفال الانتفاضة" رفقة جمال غوشة، مشيراً إلى أنه تعرف إلى فن مصطفى الكرد حين كان في بيروت، وأحضر له فرانسوا أبو سالم ألبوم "أشبال وزهرات"، وطبعاً يدوياً عند سعيد مراد قرابة 150 نسخة من هذا الألبوم، والتقاه مباشرة عام 1984 عند عودته إلى القدس.
وعبّر الموسيقار الفلسطيني سعيد مراد، والذي رافق الراحل في مرحلته الأخيرة في المستشفى، في حديث مع "العربي الجديد"، عن حزنه على وفاة الكرد في ظلّ ظروفٍ صعبة يعيشها الفلسطينيون عموماً، وسكان قطاع غزة الذين يواجهون مخططات التهجير خصوصاً، مستعيداً أغنيته "هات السكة" التي قال فيها: "هات السكة هات المنجل... أوعك يوم عن أرضك ترحل".
ولفت مراد إلى أن "الكرد تميّز فنياً بعمقه فيما يتعلق بالأغنية المسرحية، معتبراً أنّه شكل مدرسة خاصة، وإن كان نمطه قريبا من سيد مكاوي، والشيخ إمام، من حيث التصاقه بالشارع والحارة، وباللهجة العامية الدارجة، ولكن بروح فلسطينية مقدسية".
بدأ الكُرد دراسة العود عام 1962، وتميز بأسلوبه الفني المتجدد في الغناء، وفي عام 1970 شارك في تأسيس معهد القدس للفنون والمسرح. لاحقاً، في عام 1976، كان من مؤسسي الفريق المسرحي الأول في القدس والأراضي الفلسطينية بعد حرب 1967، الذي عرف باسم "بَلالين". أدى نشاطه الفني وأغنياته إلى اعتقاله في نفس العام من قبل سلطات الاحتلال، ومن ثمّ إبعاده من القدس ونفيه.
لكن، لم يمنعه ذلك من أن يواصل العمل، حيث شارك في تأسيس فرقة نوح إبراهيم الموسيقية من بيروت، كما درس البيانو والتأليف الموسيقي في أكاديمية غوتينغن الألمانية، والموسيقى في جامعة برلين الحرّة.
وصدر أوّل ألبوم موسيقي له عام 1976 أيضاً، من خلال مكتب "صلاح الدين" في القدس ومسرح "بلالين"، وكان بعنوان "الأرض"، وكانت واحدة من كلماته للشاعر الشهيد المناضل كمال ناصر، الذي اغتيل على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي في بيروت عام 1973، وضمّ أغانٍ منها "الجلاد" للشاعر الشهيد كمال ناصر الذي اغتاله الاحتلال في بيروت عام 1973، إضافة إلى "أنا فلاح"، و"المحراث"، و"بيت إسكاريا"، و"البحارة".
وخلال مسيرته الطويل تحوّل الكرد إلى أحد رموز الأغنية السياسية الفلسطينية، خاصة بعد أن غنى لمجموعة من أهم الشعراء، أبرزهم سميح القاسم، ومحمود درويش، وخليل توما، وراشد حسين.
وسجل في أوروبا عدة أغنيات، من بينها "بدون جواز سفر" من كلمات الشاعر الفلسطيني راشد حسين خلال مهرجان "يوروفيجن البديل" عام 1979 في بروكسل، كما أدى أغانٍ سياسية مع الموسيقار اليوناني ميكيس ثيودوراكيس، وفرقة إينتي إيليماني التشيلية، والمغنية والناشطة الجنوب أفريقية ميريام ماكيبا، والبرتغالي خوسيه أفونسو، والأميركي بيت سيغر، وغيرهم.
وبعد عودته إلى فلسطين، وتحديداً إلى القدس، عام 1984، إثر جهود بذلتها المحامية الإسرائيلية المؤمنة بحقوق الشعب الفلسطيني، ليا تسيمل، أنتج الكرد ألبوماً حمل اسم مدينته. كذلك، ارتبطت العديد من أغنياته بانتفاضة الحجارة التي اندلعت عام 1987، بفضل ألبومه "أطفال الانتفاضة"، والذي ضمّ أغنيته الشهيرة "حجر وبصل ودلو من مي"، كما اشتهر لاحقاً بأغنية "هات السكة هات المنجل".
كذلك، أسّس الكرد دائرة الموسيقى في مسرح النزهة بالقدس عام 1986، التي تحولت إلى مقر لمسرح الحكواتي في وقت لاحق، وكان له دور كبير في إنتاجاتها، إذ ألّف ولحّن الموسيقى المرافقة للعديد من المسرحيات الفلسطينية، وفقاً لتقنيته الخاصة التي تجمع عناصر مستوحاة من ثقافة مدينة "القدس"، مثل العزف على العود العربي الكلاسيكي، والأناشيد والإيقاعات الصوفية، والأغاني البيزنطية، والموسيقى الأوروبية، والفلكلور الفلسطيني، وموسيقى القيثارة، في خليط أبدع الكرد بأسلوبه الخاص، عبر أغنيات ستظل ترافق الفلسطينيين طويلاً.
وبعد قيام السلطة الفلسطينية عام 1994، شغل مصطفى الكرد منصب مدير دائرة الموسيقى في هيئة الإذاعة والتّلفزيون الفلسطيني، ومن ثم صار مديراً لمركز القدس للموسيقى العربيّة.
وألّف مصطفى الكرد وأنتج الموسيقى لعدة أفلام، أبرزها وثائقي "تل الزعتر" لمجموعة مخرجين عام 1977، وفيلم "الصبّار" لباتريك بورغا عام 2000. كذلك أصدرت عدّة ألبومات موسيقية هي: "الأرض: مصطفى الكرد وفرقة بَلالين" (1976)، و"فلسطين حبّي" (1977)، و"أحلم بالغد" (1980)، و"صوت من فلسطين" (1980)، و"أطفال الانتفاضة" (1987)، و"القدس" (1987)، و"أطفال من فلسطين" (1992)، و"فوانيس" (1993)، و"المدّاح" (2009).