راقصات لبنان... الزمن الذي لم يعد

17 فبراير 2021
رحلت ناريمان عبود إثر اصابتها بفيروس كورونا (LBCI)
+ الخط -

قبل أيام توفيت الراقصة اللبنانية ناريمان عبود (1964-2021) إثر إصابتها بفيروس كورونا. وقد أعاد رحيلها فتح ملف الرقص الشرقي في لبنان، تحديداً الحقبة الذهبية من ذلك الفنّ، أي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. تلك الحقبة التي لمعت فيها عبود وزميلاتها اللواتي وضعن بيروت على خريطة الرقص إلى جانب القاهرة وعواصم عربية أخرى.

في السنوات الأخيرة التي سبقت انتهاء الحرب الأهلية، أي منتصف الثمانينيات ظهرت مجموعة من الراقصات اللبنانيات الموهوبات، نذكر بينهن إلى جانب عبود، سمارة، وأماني، والراحلة داني بسترس، ورنين، ومارغو كلفيان، وقبلهنّ هويدا الهاشم. مع انتهاء الحرب، ساهمت ماكينة الترفيه الإعلامية في تحويل الرقص الشرقي إلى فنّ أساسي على الشاشات والمطاعم والمسارح والملاهي، وهو ما جعل الراقصات اللبنانيات ينافسن المصريات. ولعل الرافعة الأساسية لهذا النجاح، إلى جانب موهبة وكاريزما نجمات الرقص وقتها، كان المخرج اللبناني سيمون أسمر (1943 ــ 2019). إذ ساهم في اكتشاف ودعم مسيرة عدد من هؤلاء الراقصات، ونقلهنّ إلى مرحلة الاحتراف الفني. وقد استغلّ البرامج الفنية التي غزت الشاشات اللبنانية في سنوات ما بعد الحرب لتسليط الضوء على هؤلاء. وفي خطوة إضافية أدخل أسمر فئة الرقص الشرقي على برنامجه الخاص بالمواهب أي "استديو الفن"، وهو ما كرّس الرقص كفنّ أساسي وجماهيري.

لكن بعد دخول الألفية الجديدة وتحجيم عمل سيمون أسمر كمخرج في برامج الفن والمواهب، بدأ إقصاء فن الرقص الشرقي عن المشهد العام وانتصر الغناء على باقي وسائل الترفيه الفنية. فباتت كل البرامج التي أنتجت في عصر الفضائيات العربية تركّز على الصوت من "سوبرستار" إلى "آراب آيدول"، مروراً بـ"ستار أكاديمي"، و"ذا فويس"، و"أكس فاكتور"...

هكذا عادت الراقصات إلى الظل، فغابت سمارة عن المشهد، وكذلك تزوجت ناريمان عبود من الملحن وسام الأمير وابتعدت عن الأضواء تماماً. بينما اختارت أماني إنشاء معهد أكاديمي للرقص بكافة أنواعه على اعتباره "أحد أهم الفنون التاريخية" بحسب ما تقول. رنين بدورها اختفت عن الساحة، فيما شهد لبنان والعالم العربي مأساة انتحار داني بسترس.

ومنذ ذلك الوقت فشلت كل محاولات إعادة البريق إلى الرقص الشرقي في لبنان، لتخلو الساحة أمام مجموعة من الهاويات اللواتي فشلن في حصد نجاح وشهرة الجيل السابق.

عند النظر إلى أحوال الرقص الشرقي اليوم، في لبنان وكذلك في العالم العربي، يبدو جلياً أنه مع مرور السنوات تخفت الأضواء حول هذا الفنّ، وهو ما يطرح أسئلة حول عجز الفنّ نفسه عن التجديد وبقائه أسيراً لموسيقى وخطوات وراقصات مضى عليهنّ الزمن. إذ حتى اليوم لا تزال أسماء أبرز الراقصات تعيدنا إلى بديعة مصابني، وناديا جمال، وكهرمان، وزينة رأفت، اللواتي دخلن عالم النجومية عن طريق السينما، وشارك بعضهن في الرقص ضمن الملاهي الليلية والفنادق الفاخرة.

لكن هذا العصر الذهبي يبدو بعيداً جداً عن واقعنا اليوم، واقع يفيد بتراجع الرقص الشرقي إلى الصفوف الخلفية على حساب الغناء والعزف...

المساهمون