ديف شابيل... كما كان يفعل في صالون الحلاقة

19 يوليو 2022
يشكر شابيل في عرضه المدرسة التي تعلم فيها التمثيل (أماندا أندريد/ Getty)
+ الخط -

بثت منصة نتفليكس أخيراً عرضاً/ خطاباً/ تسجيلاً عنوانه "ديف شابيل: ما أهمية الاسم؟". قبل الخوض في العرض، لا بد أن نشير إلى العنوان الطويل. أولاً، هناك ديف شابيل الغني عن التعريف الذي يؤدي خطاباً بمناسبة تسمية أحد المسارح باسمه. هذا المسرح، موجود في مدرسة دوك إلينغتون في واشنطن، الثانوية الفنية التي التحق بها شابيل، كي يتعلم بعض أدوات التمثيل التي ستفيده في عمله ككوميديان.
أما "ما أهمية الاسم؟"، فهي إحالة إلى شكسبير، بصورة دقيقة إلى العبارة التي تقولها جولييت لروميو في محاولة لتجاوز حقيقة أنهما من عائلتين مختلفتين، مشيرةً إلى أنّ حبهما أكبر من أن يُقيد باسم.

ما يمكن فهمه، إذاً، من التسجيل المبثوث الذي لا تتجاوز مدته الـ40 دقيقة، أننا أمام خطاب يلقيه شابيل ليشكر المدرسة التي ارتادها. هذا الخطاب يتخذ شكل "وصلة" ستاند آب كوميدي، يحدثنا فيها الرجل عن طفولته، والتحاقه بالمدرسة هذه، وبداية نشاطه الفني. لكن ما يلفت، هو ما نقرأه قبل بدء العرض. اقتباس على لسان إلينغتون (سميت المدرسة باسمه) عن خطورة الفن، وضرورة أن يكون مثيراً للجدل.
يلي ذلك، شرح مفاده أن المدرسة قررت تسمية المسرح على اسم شابيل، في خضم الجدل الذي شهدناه بعد أن بثت "نتفليكس" عرض شابيل، The Closer الذي أغضب المجتمع الكويري واتهم بعده شابيل بالتحيز، ما أدى إلى دعوات لإلغائه. لكن هذا لم يدعُ "نتفليكس" للاستغناء عنه، بل العكس، ترسيخ دوره والانفتاح الشديد على فن الستاند آب كوميدي.

يتكرر في الخطاب ما نعرفه عن شابيل؛ اختفاؤه عن الساحة العامة لقرابة عشر سنوات، إطراؤه وتبجحه بموهبته التي لم يسبق لها مثيل. لكن اللافت، أن شابيل يتحدث كـ"معلم"، ليس بالمعنى المدرسي، بل بمعنى معلم حرفته، وسيد النوع الفني الذي يتقنه، ألا وهو الستاند آب كوميدي، إذ يشير إلى الإمكانيات الجمالية والنقدية التي يختزلها هذا "الفن"، وضرورته الآنيّة، مشيراً إلى عرض The Closer نفسه، وكيف أننا لن نشهد مثله خلال العقد المقبل.

هذه المسافة التي يأخذها شابيل من النوع الفني، ويتحدث ضمنها عن دوره فيه، تكشف وعياً وإدراكاً لشكل السوق والرأي العام على حد سواء. في الوقت نفسه، هي ترسيخ لخطورة هذا الشكل الفني الذي دخل صراعاً، أطرافه هي التيار الجديد المتمثل بالناشطين المفرطين في حساسيتهم، والكوميديين الساخرين؛ أولئك الذين لا يترددون عبر إتقانهم لحرفتهم عن كشف العيوب والعطب في الخطاب السائد. وهنا يستعيد شابيل المفهوم الذي يدافع عنه دوماً، أي انتقاد الكوميدي، إذ لا يجب أن يتم من دون الإشارة إلى الحيثيات الفنية في عمله وأسلوبه، أي لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أننا نمثل "فناً"، وليس خطاباً رسمياً.

نجوم وفن
التحديثات الحية

يحدثنا شابيل أيضاً عن مفهوم مدرسة الفن، بوصفها مساحة إبداعية صرفة، كل من فيها "غرباء أطوار"، وآخر ما يثير الاهتمام فيها هو الميول الجندرية، في إحالة إلى موقف شابيل السابق الذي يرى أن خطاب الهويات والصوابية السياسية أصبح أداة قمعية تتجاهل المشاكل الرئيسية المتمثلة بالعرق واللون.

نستشف من خطاب شابيل أن المدرسة ليست كافية لاكتساب الصنعة الفنيّة، هناك عدة مراحل لإتقان الحرفة، الأولى هي المراقبة، كما كان يفعل في صالون الحلاقة، حيث النكات هناك شديدة الشخصية والقسوة كونها بين أصدقاء، ثم الصف المدرسي، لاكتساب أدوات الأداء وتقنياته، (وافقت لجنة تحكيم المدرسة على شابيل، رغم تصريحه أمامهم أنه لا يريد أن يكون ممثلاً)، ثم الاختبار، أي الذهاب إلى نوادي الكوميديا وتجريب النكات.

والأهم، الحفاظ على التحدي والرغبة بأن يكون فناناً حراً، أي تحدي الذات، وعدم الانصياع لرغبة الجمهور أو المال أو السلطة. الخلطة السابقة والتقنيات المستمدة من كل واحدة منها، هي (ربما) ما تصنع "معلماً للحرفة"، أو ملكاً، يحق له أن يتباهى بذاته وعبقريته، من دون أن يرف له جفن.

نهاية العرض غير متوقعة، إذ يكشف شابيل أنه لا يرغب بأن يُسمى المسرح على اسمه، بل اقترح الاسم التالي "مسرح التجريب والحرية الفنيّة". ولاحقاً إن أراد الطلاب أو القائمون على المدرسة إضافة اسمه، فلن يمانع، خصوصاً أن الانتقادات التي وجهت له في ما يخص القضايا الجندرية، أشعلت موجة اعتراضات مفادها أن المسرح لن يكون مساحة آمنة في حال وجود اسم شابيل على بابه. وهنا نكتشف وعي صاحب The Closer: "تباً للاسم"، الهدف هو التعبير الفني، ليس التظلم، وإن كان اسمه سيعيق التجريب والانفتاح الفني، فليحذف، فالمهم، هو الفن وحرية التعبير فقط، لا الاسم ولا الهوية ولا الرغبة في الشهرة.

المساهمون