دراما الأغنية المصورة... الموسيقى وسط فسحة أوسع

17 ديسمبر 2021
بعض المغنين يتقاسمون بطولة الكليب مع شريك من الجنس الآخر (المكتب الإعلامي لجو أشقر)
+ الخط -

ترتكز الأغاني المصورة، على سيناريو وقصة يحاكيان كلمات الأغنية، ما يدفع بالجمهور إلى التماهي مع العنصر الدرامي في الحكاية المصورة، وتقوده ليتفاعل معها كمستمع ومشاهد.
علاقة الكلمات بالصورة علاقة مركبة، تنشأ عن حاجات ترفيهية وتعريفية وتسويقية. في السابق -قبل عصر الإنترنت والنوافذ الرقمية- كانت الصورة مدخلًا إلى عقل المستمع، تجره إلى مدلولات ثقافية ومعرفية وتجارية، ليست بحكم الوظيفة الذوقية التي تقصدها كحاجة أولية فحسب، وإنما كتدبير يستدعي لفت الانتباه إلى شؤون معاصرة (أزياء، موضة، منتجات تجارية وغيره)، مع التركيز على ذوق الأجيال وأفكارهم لجذبها.

الجذب حالة فضفاضة تتوسم استهلاكًا واسعًا على جميع الأصعدة. وبالتالي، تطورت نظرية الجذب وأدواتها، إلى أن اخذت شكلًا تفاعليًا، تحاكي البيئات الفنية الأخرى، وأقربها السينما والتلفاز، فكان ارتباط الحكاية أو القصة بالأغنية المصورة (الفيديو كليب) أمرًا يستدعي تزاوجًا فنيًا، يسعف أفكار المستمع من خيالاته، ويحررها على شكل قصص وحكايات، تعكس واقعاً ما. ولا أفضل من سيناريو تمثيلي مصحوبًا بموسيقى مؤثرة، يعكسان هواجس المستمع وانفعالاته. لذا، سيظهر الفيديو المرئي متنوعًا بقصصه وحكاياته، ملونًا بالقدر الكافي ليجعل المستمع مسحورًا بمطربين ونجوم صاروا أبطالًا ينفذون إلى خياله بنماذج وبأشكال متعددة ومختلفة.

هذه الأشكال تم توظيفها بهدف التواصل مع الجمهور عاطفيًا ونفسيًا، من خلال فرز معطيات درامية، لا تناسب المغني فحسب، بل لكادر العمل أيضًا، لما لها من خصوصية تسمح بتزويدهم بمفردات بصرية، تساهم في تطوير الرؤية الإخراجية للفيديو كليب.

من هذه النماذج، "البطولة الجماعية". في هذا النموذج، تتسع دائرة العمل، لتشمل عددًا من المغنين والمطربين، يزيد عددهم عن اثنين. نجده في الأغنيات الكورالية. وهي أعمال قد تضم نجوما من جنسيات واحدة أو مختلفة. تتغنى غالبًا بمشاعر وطنية أو إنسانية، كأوبريت "الحلم العربي". وكذلك، يشمل هذا النموذج أغاني الفرق (band) على اختلاف أنماطهم الموسيقية. وتقدم أغنيات متنوعة المواضيع، وتعكس ثقافات متنوعة لمجتمعات مختلفة.

نموذج آخر يمكن تسميته بـ "البطولة الرائجة"، والأخيرة ذات شقين: الأول، يكون فيها المغني متحيزًا لموضوعات عاطفية ورومنسية، تتطلب وجود شريك من الجنس الآخر، يقاسمه البطولة. الثاني، ينقسم إلى حالتين متشابهتين بالمضمون، مختلفتين بالشكل. الأولى لا يحتاج فيها المغني لوجود شريك من الجنس الآخر، إنما يكتفي بطرح الأغنية بما يتلاءم مع القصة. كما لو أنه جوكر موجود داخل الكادر، ولكنه يملك خاصية التصرف، بعيدًا عن أحداث القصة والمَشاهِد المصورة؛ فيعبر عن حالات نفسية وشخصية خاصة به أو بمجتمعه، أو بقضية ما. والثانية تجعل من المغني بمثابة الراوي، فيكتفي بوضع صوته من دون أن يظهر داخل الصورة.

تعيد القصة ترتيب الأغنية بشكل أوسع مما تبدو عليه الكلمات الخاصة للعمل الغنائي. فضاءات وأماكن وأناس، وزمن وحوادث وغيره، جميع التفاصيل التي تورد في الفيديو كليب، لا تلبي حاجة الأغنية والموسيقى، بقدر ما تلبي حاجة العقل إلى التبحر والتحرر. وهنا ربما نكون قد انتبهنا إلى مشكلة عن غير قصد، في علاقة الموسيقى بالصورة. فالموسيقى وحدها قادرة على إطلاق الخيال. وهذا يدفعنا للتساؤل: هل تعبّر الدراما عن فشل مجتمعي فتملأ فجوات في حياة الناس؟ أم أن وظيفتها لا تتعدى كونها من كماليات الوصف والتأثير والجذب؟

ربما تستطيع الأغاني المصورة أن تكون موضوعية في كثير من الأحيان. وقد لا تلتزم معها أذواق الجماهير تبعًا للمفهوم الاستهلاكي. فغاية الفنون لن تتجرد من التأويلات الممكن طرحها، في سبيل نقل الواقع. والدراما، كوسيلة لتعرية هذا الواقع، لن تكون قادرة على الالتزام بالنص الشعري الضيق في الأغنية، إلا أنها قد تمنح المشاهد فسحة أوسع ليكون متوازنًا قبل أن يكون متذوقًا.

المساهمون