حول "تكوين" وأخواتها... من يملك التراث؟

06 يوليو 2024
خلال إطلاق مؤسسة تكوين في مايو الماضي (إكس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **مؤسسة تكوين الفكر العربي وأهميتها الثقافية:** دشنت في مايو/ أيار الماضي بهدف مكافحة الجهل من خلال الحوارات المعرفية، مما يجعلها ضرورة ثقافية.
- **التحديات والمقاومة:** ولادة المؤسسة أثارت معركة تعكس خوف البعض من انتقال ملكية التراث، وتواجه تحديات كبيرة في الدفاع عن حقها في الوجود والمشاركة في البحث والنقد.
- **التراث وملكيته:** التراث مشاع للإنسانية ويجب أن يكون متاحاً للنقد والتحليل. المؤسسة تسعى للمشاركة في التراث الإنساني وضمان تنوع الساحة الثقافية.

مئات الزوايا يمكن النظر منها إلى مؤسسة تكوين الفكر العربي التي دشنت في مايو/ أيار الماضي، وكذلك إلى الجلبة التي أثارتها. لكن السؤال يبقى واضحاً: هل تحتاج الثقافات العربية إلى مؤسسة واحدة، أو ربما إلى مؤسسات كثيرة، تتشارك في التأسيس لثقافة مستقبلية تنصف شعوب هذه المنطقة؟ وما أقصده بالإنصاف هو الحصول على ثقافة مجتمعية طاردة للجهل المتمثل في الأداءات الاجتماعية الفاشلة لهذه السكانيات المعطلة، وذلك عبر الحوارات المعرفية التي تقترحها مؤسسة تكوين الفكر العربي ومثيلاتها. ربما نحن بحاجة إلى مؤسسات كهذه، بغض النظر عن التقدير المسبق للفوائد والأضرار.

فعل اجتماعي بسيط، هو إعلان ولادة مؤسسة ثقافية تعنى بشؤون الفكر، وليس مفهوماً بعد ارتباطها بكافة مناحي الفكر والتفكير أو بالتراث حصراً، أدى إلى حصول معركة سريعة ومرتجلة، ما يشير إلى حالة دفاعية ناتجة من الخوف من الأعظم: انتقال ملكية التراث لأشخاص آخرين من جهة، ومن جهة ثانية خبرة هؤلاء في مقاومة ظواهر كهذه ووأدها في مهدها (نذكر تجارب طه حسين، وعلي عبد الرازق، والطاهر الحداد، وغيرهم). وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن جدوى مؤسسات كهذه، تعتمد التكتيك وسياسة المسايرة ومسك العصى من المنتصف، في مقابل "قوى" مدعومة شعبياً وواضحة في الرضا والعداء، وقادرة على إنهاك الخصم وطرده خارج أسوار الملكية.

من يمتلك التراث إذاً؟ هل يملكه بشر محددو الملامح والاختصاص، أم هو مشاع للإنسانية جمعاء؟ ولماذا لا تستطيع مؤسسة تكوين الفكر العربي، أو غيرها، المشاركة في البحث والتمحيص والنقد، طالما هي ــ بصفتها البشرية ــ شريكة في هذا التراث الإنساني؟ ما هو سند التمليك، وما الدلالة على وجوده، ذاك الذي يعطي الحق حصرياً بالتصرف بالتراث؟ وهذا بالمناسبة ما يحوله إلى فلكلور يمكن العبث بأصوله، طالما لا دليل حقوقيا على امتلاكه.

علينا الوقوف لبرهة أمام فكرة التملك هذه، فمن البداهة أن أي منتوج فكري، إن كان معلوماتياً، أم معرفياً، صار مشاعاً إبداعياً للعموم، نقداً وانتقاداً، وتحليلاً وتمحيصاً، وتصديقاً وتكذيباً، وليس على سطح البسيطة من يستطيع رفض ذلك إلا بالعنف، وهو متنوع وشائع في بلداننا، وذلك إثباتاً لملكية جائرة،، تقضي على الرأي في مهده التربوي، إذ ينتج الترويض نماذج استثمارية تشتري البضاعة من المالك مباشرة، من دون المرور على خبراء مراقبة النوعية، أو خبراء تحسين الجودة، ومن هنا كان الإصرار على تتريث مؤسسة تكوين، وجعلها قابلة للتثريب والطرد خارج الملكية، وهي لم تدافع عن نفسها، لأن بداهة حقها في الوجود لا تحتاج إلى دفاع، والحق لا يدافع عنه إلا في حالة الاعتداء، كما يحصل معها الآن.

آداب وفنون
التحديثات الحية

مؤسسة تكوين الفكر العربي محلية (في إطار الناطقين بالعربية)، وسلمية لا تتوسل العنف في أي من مآربها، وهذا ربما ما يجعلها فريسة سهلة الهضم من جهة، وجاهزة لاستصدار أبطال وهميين ممن يعادونها من جهة ثانية. لكن ماذا لو تركت هذا الأمر واستقالت وانسحبت من أرض تتشارك مع الآخرين ملكيتها؟ لن يحصل شيء، وسنتذكرها كما نتذكر نصر حامد أبو زيد، أو السيد القمني، وحتى نزار قباني. في المقابل، هناك جامعات ومعاهد (لا أقصد الغرب) ستغمس يديها في هذا التراث بناء على حقها الإنساني، ويستطيع معادو "تكوين" وغيرها، أن يبلطوا البحر، مهما كانت نتائج بحوثهم وتمحيصاتهم ونقدهم وحتى انتقاداتهم، ولن يجرؤ هؤلاء على السؤال عن كحل عيون هؤلاء العلماء والخبراء، مهما افتعلوا في ملكيتهم الغراء.

بما هي قاعدة حقوقية لا أحد يمتلك التراث، وبما هي قاعدة ثقافية لا يمكن للتراث وحده أن يكون المرجعية المعرفية للثقافة الاجتماعية (لا أقصد المجتمعية)، فهو علم منقوص، ومعرفة محبطة، والعالم صار مليئاً بالاختصاصات التي تدحضه أو تؤيده، ولا معنى الآن للعناية به بمفرده، فهو في القياس الأخير مجرد تراث، تحسب فوائده الآن في عيشنا اليومي واستمتاعنا بمنتجات المعرفة التراكمية التكاملية، إذ لا قيمة لأي تراث لم يتشارك مع العالم معارفه 

ربما آن الأوان لوجود مؤسسات ذات طابع ثقافي، وتحتاج هذه البلدان إلى المئات منها، حتى لا يتفرد أحد في الساحة الثقافية مهما كانت إمكاناته المادية، فالعمل المعرفي هو بحث عن حقيقة تعاير وتقاس بوسائل العصر والزمن، ربما كانت مؤسسة تكوين الفكر العربي واحدة منها، وإلا ستكون مجرد طفل يتيم ضعيف، يستبيحه دناة القوم، على الرغم من حقه الكامل بفرصة حياة.

المساهمون