حملة ضد صحافيات من أصول صينية: تنمّر وتهديد

18 يونيو 2022
لا تقبل بكين برواية غير روايتها الرسمية (نيكولا عصفوري/فرانس برس)
+ الخط -

برزت خلال الأشهر الماضية حملة إعلامية منظمة يشنها ناشطون مرتبطون بالحزب الشيوعي الصيني على موقع تويتر، ضد صحافيات ينحدرن من أصل آسيوي يعملن لصالح وسائل إعلام غربية. وحسب المعهد الأسترالي للسياسة الاستراتيجية، وهي مؤسسة فكرية غير حكومية مقرها كانبيرا، فإن معظم هؤلاء الصحافيات فاعلات وبارزات في مجال عملهن وينتمين لمؤسسات إعلامية عريقة، مثل: صحيفة ذا غارديان البريطانية، ونيويورك تايمز الأميركية، وذي إيكونوميست، غير أنهن يتعرض لمضايقات مستمرة تشمل الإيذاء اللفظي والإهانات العنصرية واتهامات بالخيانة وتهديدات بالملاحقة، وفي بعض الأحيان بالقتل.
ولعل أبرز هؤلاء: جيايانغ فان، وهي صحافية أميركية من أصل صيني تعمل في مجلة ذا نيويوركر، وتختص بالشأن الآسيوي، وتنشر بشكل دائم على صفحتها في موقع تويتر (يتابعها 77 ألف شخص) تعليقات وتقارير عن الثقافة والتعليم والسياسة في الصين. أيضاً لينغ لينغ وي، تحمل الجنسية الأميركية وتعمل مراسلة لصحيفة وول ستريت جورنال في العاصمة بكين، وتختص بمجالي الاقتصاد والسياسة الصينيين. وكذلك أليس سو، مراسلة ذي إيكونوميست في الصين وتايوان.
وتأتي هذه الحملة في إطار سعي الصين إلى دحض ما تصفه بـ الادعاءات الغربية بشأن انتهاكات يرتكبها قادة الحزب الشيوعي في ملف حقوق الإنسان بإقليم شينجيانغ ذي الأغلبية الأويغورية المسلمة، وكذلك تقويض الديمقراطية في هونغ كونغ، وتشديد الخناق على جزيرة تايوان التي تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الصينية. وترى بكين أن وسائل الإعلام الغربية تعمد إلى استخدام الصحافيين الآسيويين كأداة لإثارة التحيز الأيديولوجي ضدها، وتثبيت روايات مزيفة يشارك هؤلاء الصحافيون/ات في تأليفها.
في الخامس عشر من مارس/آذار الماضي، نشرت وكالة أنباء شينخوا الصينية التي تديرها الدولة، مقالاً تتهم فيه الصحافيين من أصل آسيوي الذين يعملون في وسائل الإعلام الغربية بـ "تقريع الصين". قالت فيه إنه باسم "حرية الصحافة"، أنتجت وسائل إعلام غربية أكواماً من التقارير المزيفة ضد الصين مع موظفيها الصينيين كمؤلفين أو مشاركين في التأليف. وأضافت أنه من الخطأ تقدير هؤلاء أن قصصهم المعادية للصين ستتمتع بمصداقية أكبر إذا رواها صحافيون ذوو وجوه آسيوية.
هذا واعتبر خبراء أن الحملة الصينية ضد الصحافيات الآسيويات العاملات في وسائل إعلام غربية، استجابة منظمة لتوجهات داخلية ضمن شبكة أعدتها بكين عام 2019 تعرف بـ "روبوتات البريد العشوائي" تهدف إلى بث الرسائل الحزبية من خلال نشر المئات من مقاطع الفيديو التي تشيد بسياسات الدولة الداخلية والخارجية، كما تعمد إلى انتقاد الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب وفي شرق آسيا، بالإضافة إلى مهاجمة حركة هونغ كونغ المؤيدة للديمقراطية، والانفصاليين في تايوان.
وكانت الصين قد اتُهمت بإساءة استخدام وجودها الرسمي على منصة تويتر المحظورة أصلاً في البر الرئيسي الصيني، وفي أغسطس/آب 2019، قال موقع تويتر إن لديه أدلة موثوق بها تدعم ذلك. وأشار إلى عمليات منسقة مدعومة من الدولة كانت تدفع بالمعلومات الخاطئة بشأن الاحتجاجات في هونغ كونغ، وعلقت حوالي 200 ألف حساب في حينه، وفي عام 2020 أزال موقع تويتر أكثر من 170 ألف حساب مزيف مصدرها الصين، مخصصة لنشر روايات وتقارير مؤيدة للحزب الشيوعي.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

وفي وقت لاحق من نفس العام، وبعدما بدأ دبلوماسيون صينيون ومنافذ إعلامية ينشطون في استخدام منصة تويتر كدعاية للحزب والترويج بنشاط لنظرية المؤامرة حول أصل فيروس كورونا، قرر القائمون على الموقع تصنيف هذه الحسابات بأنها "تابعة للدولة"، ما يعني أن أجهزة الدولة تسيطر على محتواها التحريري. وقالت شركة تويتر في بيان: "على عكس وسائل الإعلام المستقلة، تستخدم وسائل الإعلام التابعة للدولة تغطيتها الإخبارية بشكل متكرر كوسيلة لدفع أجندة سياسية"، وأضافت أن هذه الخطوة جزء من جهود مستمرة لمكافحة المعلومات المضللة.

مشاعر قومية

نفى الباحث في معهد لياونينغ للدراسات السياسية وانغ تشي يوان، في حديث للعربي الجديد، أن تكون جهات صينية رسمية وراء الهجوم الإلكتروني الذي تتعرض له صحافيات من أصول آسيوية، وعزا ذلك إلى المشاعر القومية التي تنتاب بعض المتابعين الصينيين حين يرون أبناء جلدتهم يهاجمون وطنهم ويتم استغلالهم لخدمة أجندات غربية مشبوهة. وأضاف أن الصين ليست في حاجة إلى من يدافع عنها، وأن الحقائق تتحدث عن نفسها، ولفت إلى أنه في معركتها ضد الوباء قبل أكثر من عامين، زعمت وسائل إعلام غربية وصحافيون من أصل صيني أن بكين تخفي الحقيقة، وانتقدوا نهجها في التعامل مع الجائحة المعروف بـ "صفر كوفيد" ووصفوه بأنه صارم للغاية. لكنهم اكتشفوا لاحقاً أن الصين كانت أكثر شفافية من الولايات المتحدة، وأنه بفضل سياساتها الصارمة استطاعت أن تكبح جماح المرض، وأنها تتمتع بتأييد واسع النطاق من الجمهور الصيني.
كما تحدث الباحث الصيني عن دور هؤلاء الصحافيات في ترويج روايات غربية عبر نشر أدلة ملفقة تصور انتهاكات الصين المزعومة لحقوق الإنسان، وذكر من بين هذه التلفيقات التقارير المؤسفة حول ما يسمى بـ "الإبادة الجماعية" و"العمل الجبري" في شينجيانغ، "التي تم فضح زيفها"، حسب قوله، من قبل الخبراء الصينيين والأجانب، والناس العاديين الذين يعيشون في الإقليم، وكذلك البيانات الرسمية. وقال إن الهدف من جميع هذه الادعاءات تشويه سمعة الصين وتصويرها كلاعب غير مسؤول على المسرح الدولي.

مؤشر فشل

من جهته، قال أستاذ الإعلام في جامعة تايبيه الوطنية، ليانغ وين، إن استهداف الصين للصحافيات من أصول آسيوية، هو مؤشر على فشل الرواية الصينية في الوصول إلى المجتمعات الغربية، بالرغم من الإنفاق الكبير وضخ موارد ضخمة في التنمية الدولية لوسائل الإعلام الحكومية الناطقة باللغات الأجنبية. وأضاف في حديثه مع العربي الجديد: "تصنف الصين كمصدر رئيسي للحسابات المزيفة في العالم، من المؤسف أن تُستخدم هذه الحسابات لاستهداف أشخاص تختلف معهم في الرأي أو العرق والجنس، ولكن يبدو أنها الطريقة الأسهل والأقل تكلفة لاغتيال الآخر معنوياً، لأن من يقوم بها عبارة عن روبوتات قادرة على التخفي وراء أسماء مستعارة ووجوه مزيفة".
وأوضح ليانغ، أن قادة الحزب الشيوعي يرون أن افتقار البلاد إلى القوة الناعمة، لا سيما ضد الماكينة الإعلامية الغربية، له تأثير خطير على طموحات الصين الدولية، لذلك سعى الرئيس الحالي شي جين بينغ، منذ وصوله إلى السلطة عام 2013، إلى ابتكار أساليب جديدة للدعاية، وعمل على تعزيز صورة بلاده في الخارج من أجل تحقيق التوازن ضد الانتقادات الدولية. ولكن بعد الفشل في تسويق المنتجات الإعلامية الصينية التي لم تحظ بالجاذبية المطلوبة، على حد قوله، لجأت السلطات إلى وسائل التواصل الاجتماعي الغربية لمشاركة وجهات نظر الصين، ولتكون منصة تشن من خلالها هجوماً مضاداً يستهدف المعارضين في الخارج.
كما أكد أن هناك حاجة ملحة لوقفة جادة للقائمين على منصات التواصل الاجتماعي من أجل وضع حد للانتهاكات الصينية بحق الصحافيين، وإقفال جميع الحسابات الوهمية التابعة لشبكة "روبوتات البريد العشوائي"، لكنه استبعد أن يتحقق ذلك في ظل المصالح التي تربط مالك شركة تويتر إيلون ماسك، بالصين باعتبارها المصدر الرئيسي لثروته بوصفها أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم، بالإضافة إلى كونها مورداً رئيساً لبطاريات "تيسلا" - إمبراطوريته التجارية.

المساهمون