يمثّل حفل الافتتاح لبطولة نهائيات كأس العالم لكرة القدم مدخلاً موجزاً يعبّر عن تظاهرة كُبرى، غاية المشاركين فيها تحقيق مجد عالمي، عبر التتويج ورفع الكأس الذهبية عالياً. مجدٌ آخر يناله البلد المستضيف للبطولة، يعبّر عنه بطرق شتى، أبرزها الحفل الافتتاحي.
مهما كان المظهر الاحتفالي لافتتاحيات كأس العالم لكرة القدم، فإنه لا يضاهي أبداً من حيث الأهمية والضخامة نظيره الأولمبي. افتتاحيات كأس العالم شهدت تطوراً وتوسعاً عبر عقود من الزمن، وتكتسب رمزية تضفي عليها البلدان المنظمة طابعاً مميزاً، ثقافياً وإبهارياً. وتظل هناك عناصر ثابتة وحيوية في أي حفل افتتاحي للمونديال، مثل الموسيقى والرقص والأزياء، بما في ذلك التقليدية، وغيرها. ظلت افتتاحيات كأس العالم مقتصرة على عناصر محدودة، مثل أعلام الدول المشاركة، والخطابات. لكن المشهد الافتتاحي أخذ مسحة أكثر جاذبية وفخامة، لا يقتصر على الحضور في الملعب، مع وجود متابعين حول العالم أمام شاشات التلفاز.
في بطولة المكسيك 1986، اعتمد الحفل الافتتاحي على عملية دمج بين الاستعراض الحي في الملعب والمونتاج. وكان عرضاً غير مسبوق لمشاهد تظهر على الشاشات المعلقة في الملعب، لكنها بدرجة رئيسية استهدفت المتابعين في المنزل. واستحضر المونتاج مجنحاً مكسيكياً يطير فوق غابات المكسيك وفوق الأهرامات وآثار الشعوب الأصلية. وعلى الجداريات تنتقل، جنباً إلى جنب، صور الشعوب القديمة للمكسيك مع المحتلين. اتفق المشهد كما في ثيمة الملصق الرسمي للبطولة بإحياء ثقافة الأزتيك القديمة. عندما نظمت المكسيك مونديال 1970، استمدت المظهر الافتتاحي من البطولة السابقة في إنكلترا 1966، بعرض لأطفال المدارس مرتدين أطقم ويحملون الأعلام. ما اختلف في المكسيك هو أشعة الشمس والبالونات.
وما زال للأطفال حضور في كل مونديال. ففي البرازيل 2014، كانوا يستعرضون بركل كرات مربوطة بخيط على أيديهم. وفي ألمانيا 2006، ظهرت طفلة تلوح مبتسمة، وطفل يقود دراجة وقد رُبطت من خلفها كرة. بينما في روسيا، اختتم الاستعراض بدخول رونالدو على جانبيه طفل وطفلة.
قبل ذلك في السويد 1958، ظهرت إلى جانب الأعلام الرقصات الشعبية. على أن هذا المشهد أخذ استعراضاً لافتاً في مونديال ألمانيا 1974، موزعة على الملعب 16 مجسماً لكرة قدم، بداخلها فرق فولكلورية تمثل البلدان المشاركة في البطولة. وبطبيعة الحال، كان العرض الموسيقي والراقص بمثابة فقرات متتابعة، ويفتح الستار بانهيار كرة بداخلها فرقة فولكلورية تمثل كل بلد مشارك، تقدم عرضها الموسيقي والراقص. ومع أن الحفل لم يتسم بطابع مهرجاني، كان لافتاً وفيه كثير من الابتكار.
استعاد مونديال 1994 الملامح الفولكلورية عبر الأزياء، ضمن لوحة واسعة وسط استاد شيكاغو. مثّل كل بلد مشارك فريقٌ يرتدي أزياءً شعبية ويحمل الأعلام. وفي أميركا، شاهدنا واحداً من أفضل العروض الافتتاحية للمونديال، أعلن فيه البلد المضيف عن ثقافته؛ إذ كان علامة للاحتفاء بالمشاهير. قدمت الحفل أوبرا وينفري، استهله عرض لموسيقى البوب للمغنية الأميركية ديانا روس.
كانت تلك التقليعة أقل وهجاً في افتتاح مونديال 2006 الذي احتضنته ميونخ البافارية في ألمانيا. كانت عارضة الأزياء الألمانية كلوديا شيفر التي لمع نجمها في التسعينيات هي من لجأ إليه الألمان، لتدخل الملعب مرافقة للجوهرة السوداء بيليه، ليصلا إلى منتصف الملعب حيث تظهر الكأس. تميز الحفل الافتتاحي في ميونخ بعرض باذخ، وتغطت أرضية الملعب بفرشة حمراء، كما لو أنها أرضية احتفالية باذخة في أحد البلاطات. وفي الواقع، كان العرض مسرحياً إلى حد كبير، ومشاهدُه بمثابة لوحات. وأضفت عليه نجمة البوب الكولومبية شاكيرا سحراً بغنائها ورقصها.
لاحقاً، في جنوب أفريقيا ستفرض شاكيرا ثانيةً نفسها كملكة للغناء في كأس العالم. كان افتتاح مونديال 2010 الذي أقيم للمرة الأولى والوحيدة في القارة الأفريقية استثنائياً وربما الأفضل بين حفلات الافتتاح للبطولة. كانت مجاميع عازفي الطبول والراقصين مبهرة، كما أضفى المجسم للاستاد في جوهانسبورغ زخماً بصرياً واستعراضياً. وعبرت أغنية Welcome to Africa عن تنظيم قارة بأكملها للحدث، وليس بلداً فقط. وهذا ما استدعى مشاركة نجوم من عدة دول للقارة، على رأسهم الجزائري الشاب خالد، إضافة إلى نجوم من نيجيريا وغانا وساحل العاج والكاميرون. كان عرضا آسراً بكل شيء، من الأزياء والرقص وحتى مشاركة الأطفال وهم يرفعون الأعلام. لكن الجانب الغرائبي في المونديال الأفريقي ظهور خنفساء عملاقة توغلت داخل الملعب.
في مونديال كوريا واليابان 2002، أبرز الحفل الافتتاحي ما يمتاز به البلدان على صعيد التطور التكنولوجي. شهد العرض راقصين على هيئة كائنات فضائية برؤوس تلفزيونية. وفي ألمانيا 2006، تشكل عرض بصورة حلقة من الرجال والأولاد يضعون أجراساً على خصورهم، تقرع بصورة غرائبية.
في ملعب سان سيرو في ميلانو، حيث كان مسرح الافتتاح لمونديال إيطاليا 1990، شاهدنا استعراضاً باهراً للأزياء ترتديه نساء جميلات يسرن في الملعب. كان تجسيداً لما تشتهر به المدينة. وبخلاف تلك الأزياء باهظة الثمن، لم يبد الحفل باهراً. غير أن استهلاله أيضا كان بعزف أوركسترالي تبعه غناء كورالي لواحدة من أشهر مقاطع الموسيقي الإيطالي جوسيبي فيردي، ابن مدينة ميلانو، والمأخوذة من أوبرا Nabucco.
من جهتها، سعت فرنسا لإظهار روح أوروبية، فأتاحت مسرحاً افتتاحياً على هيئة حديقة تلعب فيه فراشات وزهور.
في النهاية، تبقى اللعبة نفسها أكثر أهمية من كل المشاهد الافتتاحية، التي تحضر لتلقي بهرجة مسرحية تطلق البطولة التنافسية. كان العالم، حينها، يقف على عتبات حقبة جديدة لنهاية فصل الحرب الباردة، مفضية إلى ازدهار رأسمالي غير مسبوق، ألقى بظلاله على كرة القدم.
وها هي دولة قطر، تستضيف بطولة استثنائية، بانتظار إبهار افتتاحي جديد، سيكتب فصلاً من تاريخ كأس العالم. ليستمع العالم لصافرة البداية، وما ستكتبه دحرجة الكرة بين الأقدام. فمسرح البطولة في قطر هو مركز الكرة الأرضية طوال المونديال، ولا بد من أن يكون افتتاحاً استثنائياً لبطولة استثنائية.