حضور الأغنية في الدراما السورية... الورقة الأخيرة
يمكن أن تستوعب الدراما أوجهاً فنية عدة، ولا سيما إذا كانت تعاني هشاشة في مجراها ومكانتها، كحال تلك السورية التي لم يجف دمعها على حالها منذ عقد ونيف. هكذا، تصبح محاولات رأب الصدع حاجة ملحة لتفادي الأضرار قدر المستطاع. إذا التفتنا إلى الموسم الدرامي لهذا العام، سنتبين اتّكاء منفّذي عدد من المسلسلات على خيار الغناء، كرديف إيجابي لتعزيز الحضور الدعائي والترويجي، بغضّ النظر عن حجم توافق الأغاني مع النصوص ومدى تلبيتها للوظيفة الدرامية. فالطابع العام للأزمة الدرامية السورية لا تستطيع، بطبيعة الحال، أن تنتشله قرارات نقدية، حتى لو كانت إيجابية. وبالتالي، سيكون تأثير ذلك طردياً على علاقة الجمهور بها، وعلى حساسيته تجاه هذه المحاولات.
في مسلسل "جوقة عزيزة"، للكاتب خلدون قتلان والمخرج تامر إسحق، سنجد وصفة اجتماعية تاريخية مؤطرة بطابع موسيقي. عمل يسلط الضوء على تاريخ سورية الاجتماعي والسياسي والفني، قبل نيلها الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي. في سياق حلقاته، يتابع المشاهد أحداثاً تدور حول صناعة الموسيقى، تتخللها أغانٍ استعراضية وأجواء المسرحية؛ إذ يتضمن العمل أغاني مأخوذة عن التراث الشامي والحلبي. غير أن هناك أغنيات أُلّفت وعُرضت في العمل، ضاعفت من حالة الجدل التي رافقت المسلسل منذ انطلاق أولى حلقاته بين المتابعين والنقاد على مواقع التواصل الاجتماعي، على اعتبار أن ما يقدمه مدعاة للانحلال الأخلاقي، وتشويه لصورة البيئة الشامية المحافظة.
الأغنية الأولى عنوانها "انتي مدرسة"، أدّاها الطفل محمد أسامة على مسرح الجوقة، إلى جانب الممثلة نسرين طافش. اشتهر أسامة من خلال أغنية "الغزالة رايقة" التي انتشرت بشكل واسع قبل أشهر، بعد طرحها من خلال الفيلم المصري "من أجل زيكو". استغل صناع المسلسل اسم أسامة والصورة العاطفية التي هيأت له درب الصعود بين مشاهير الفن، فأقحموه في "جوقة عزيزة"، مستثمرين حالة التعاطف التي طبعت بداية مسيرته بين أهل الفن، بغية الحصول على "ترند" من بوابة منصة يوتيوب.
الأغنية الثانية حملت عنوان "حماتي ساوت قشة". غناها الممثل أيمن رضا في المسلسل الذي يلعب فيه دور مغنٍّ وعازف عود، وندٍّ لنسرين طافش وسلوم حداد؛ بطلي العمل الرئيسيين. فور صدور هذه الأغنية، انتشر على صفحات التواصل فيديو لمنشد سوري يدعى أبو ماهر صالح، وهو من المعارضين للنظام السوري، يدّعي فيه أن كلمات الأغنية من تأليفه وألحانه، وقد سبق أن غناها قبل سنوات في أثناء الحصار الأسدي لمنطقة الغوطة الشرقية، متهماً رضا بـ "تعفيش" الأغنية. وبالفعل، إذا بحثنا عن الأغنية على محرك البحث غوغل، أو على "يوتيوب"، فإننا سنجد، بالصورة والتاريخ، أغنية صالح، وهي لا تختلف عن تلك التي غناها رضا، لحناً وكلمةً.
في عمل آخر عنوانه "مع وقف التنفيذ"، للمؤلفين علي وجيه ويامن حجلي والمخرج سيف الدين السبيعي، انتشرت أغنية جديدة من النوع الشعبي، كتبها الممثل السوري أدهم مرشد، حملت عنوان "خاروف"، أدّتها الممثلة صفاء سلطان، والمغنية سهير صالح. هذه الأغنية المشتركة تمثّل، وفقاً للأحداث التي يتناولها المسلسل، نقداً لحالة الأغنية المعاصرة التي تتجه نحو تسفيه الكلمة لأجل الذوق العام ومطلب السوق (بحسب تعبير الشخصيات في المسلسل). وبهذا، فإن وظيفة الأغنية تقديم نقد بنّاء كرد فعل على ذوق المستمع والجمهور، متجاهلاً رغبته الموضوعية في استثمارها كأداة تلبي غاية العمل في تحقيق نجاحات أكبر وحضور أوسع، أمام بقية الأعمال العربية الدرامية المنافسة التي تعرض على الشاشات.
وبالتالي، يعمل صنّاع الدراما على استثمار الأغنية من خلال طرحها عبر منصة يوتيوب، كرافد آخر لجذب المشاهدين وكسب الرهانات التي افترضها صناع الدراما السورية على عودة "الصنعة" إلى مكانتها الصحيحة. وبهذا، كان الغناء محاولة يائسة لتحقيق قدر أكبر من النجاح.