حساء "جومو".. نجم موائد الهايتيين في رأس السنة ورمز انعتاقهم من العبودية

02 يناير 2022
في أثناء تحضير حساء جومو (ريشار بييران/فراسن برس)
+ الخط -

يستمتع سكان هايتي سنوياً في يوم رأس السنة بحساء تقليدي يحمل اسم "جومو" يجمع بين اللحوم والخضروات والمعكرونة والقرع، إذ يرمز الطبق إلى استقلال البلاد بعدما كان ممنوعاً تذوقه في الماضي على العبيد.

هذا الحساء الذي أُدرج أخيراً على قائمة "يونسكو" للتراث العالمي غير المادي، كان لفترة طويلة مرادفاً للقمع في الجزيرة الواقعة في منطقة الكاريبي: إذ كان عبيد كثر يُمنعون من تناوله رغم أنهم كانوا يزرعون القرع الضروري لإعداده، مع حصر تذوقه بأصحاب المزارع الفرنسيين.

لكن في الأول من كانون الثاني/يناير 1804، عندما وُلدت أول جمهورية سوداء، اختارت ماري كلير أوروز فيليسيتيه، زوجة الزعيم الهايتي الأول جان جاك ديسالين، تقديم هذا الطبق بكميات كبيرة.

وتقول ناتالي كارديشون خلال شرائها المكونات المطلوبة لإعداد هذا الطبق الوطني، إن طهو حساء جومو كان "وسيلة لإحياء ذكرى هذه السنوات من الحرمان والقمع وإعلان النصر على المستعمرين".

وتوضح بنبرة جادة: "هنا يكمن كل الثقل المرتبط بهذا الحساء".

تقليدياً، يشكل تناول هذا الطبق أيضاً مناسبة للمّ شمل العائلات. لكن بالنسبة إلى كثيرين، كان هذا اللقاء معقداً هذا العام.

انعدام الأمن

في عام 2021، بعد اغتيال رئيسها، تعرضت هايتي لزلزال مدمر. اشتد الاضطراب السياسي والفقر، وكذلك عمليات الخطف على أيدي عصابات يزداد نفوذها بقوة.

ويرغم انعدام الأمن وعدم القدرة على التنقل عبر طرق تتحكم بها العصابات المسلحة، الكثير من الهايتيين على قضاء العام الجديد بعيداً عن أحبائهم.

وتوضح الطالبة في العاصمة ستيفاني سميث "لدي أصدقاء في الجامعة لا يعيش أهلهم في بور أو برنس ولا يمكنهم الالتحاق بهم في الأرياف بسبب الوضع الأمني (...) لذا أدعوهم إلى منزلي".

غالباً ما تعدّ والدتها روزمين دورسيوس "حساء جومو" لعائلتها، لكن في كل يوم عطلة وطنية، تعد قدوراً كاملة منها.

وتقول هذه الهايتية البالغة 54 عاماً إن ما تعده يكفي لإطعام "حوالى عشرين شخصاً"، فيما تعتقد ابنتها أن الكميات يمكن أن تكفي حوالى ثلاثين ضيفاً.

وتلفت الشابة البالغة 27 عاماً إلى أن "عائلتي مؤلفة من ثمانية أشخاص، لكن للأسف هناك أشخاص في الحي لا يستطيعون تحضير الحساء، لذلك نفكر فيهم".

يبدأ العمل في المطبخ قبل يوم كامل، حتى قبل شروق الشمس في الأول من كانون الثاني/يناير، تنشغل نساء العائلة حول الموقد.

تتذكر روزمين دورسيوس حين كان أطفالها صغاراً وكانت هي وزوجها يعدّان الحساء معاً. وتقول: "الآن بعد أن كبرت بناتي، هن من يساعدنني".

تقاليد أسلافنا

وقد نال الحساء ذو التاريخ الثري، أخيراً اعترافاً دولياً من خلال إدراجه على قائمة التراث العالمي غير المادي لمنظمة اليونسكو.

وتوضح سفيرة هايتي لدى المنظمة التابعة للأمم المتحدة دومينيك دوبوي أنه "تم إخفاء كفاح هايتي وصوتها، وما حصل اليوم وسيلة لإدراجه في سجلات" التراث العالمي، مذكّرة "بالدور الأساسي والحيوي للغاية في تاريخ البشرية" لهايتي، أول دولة ألغت العبودية.

ويشكل تكريس هذا الحساء "تصحيحاً تاريخياً عادلاً".

وقد بذلت بعثة هايتي جهدها لإدراج هذا الطبق على القائمة، وطلبت تسريع معالجة الملف في أغسطس/آب. في 16 ديسمبر/كانون الأول، نال الطبق أخيراً الاعتراف المطلوب.

وترى ناتالي كارديشون أن إدراج هذا الحساء على قائمة التراث غير المادي للبشرية يشكل دعوة للعالم إلى "اكتشاف تاريخ هايتي"، وطريقة لإظهار "مدى فخرنا كشعب" والسعي للحفاظ على "استدامة تقاليد أسلافنا".

(الصور لريشار بييران/فرانس برس)

(فرانس برس)

المساهمون