تعاني الحكومة التونسية برئاسة هشام المشيشي صعوبة كبيرة في التعاطي مع ملف الإعلام في تونس، تجلّت في رفض التعيينات التي أقرتها الحكومة في وسائل إعلام رسمية وعجزها عن تعيينات أخرى رغم أن بعض المؤسسات التابعة لها تعاني شغورا في مستوى قيادتها منذ أكثر من سنتين. الصعوبة في تعيين مسؤولين عن المؤسسات الإعلامية الرسمية ظهرت مساء الاثنين الماضي عندما أعلنت الحكومة التونسية عن تعيين كمال بن يونس وهو إعلامي تونسي ومراسل سابق لإذاعة "بي بي سي" في منصب مدير عام لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، وهي الوكالة الرسمية الوحيدة خلفاً للمديرة العامة السابقة منى مطيبع.
القرار الحكومي اعتبرته "النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين" و"النقابة العامة للإعلام" (المنضوية تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل) في بيانين منفصلين أنه قرار مسقط تمّ دون التشاور مع الهياكل النقابية ودون مبررات مقنعة له. فقد أكد نقيب الصحافيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي لـ"العربي الجديد" أن "الحزام السياسي للحكومة يصدّر أزمته إلى مؤسسات الإعلام العمومي (الرسمي) والمُصادرة عبر تعيينات سياسية قائمة على الولاء هدفها فقط السيطرة والتدجين والتركيع". موقف نقيب الصحافيين التونسيين انبنى على معطى أساسي وهو اتهام المدير العام الجديد المعين لإدارة "وكالة تونس أفريقيا للأنباء" بأنه قريب من حزب "حركة النهضة"، أحد الأحزاب الأساسية الداعمة للحكومة التونسية، وهو اتهام تنفيه أطراف مقربة من المدير العام الجديد التي تعتبر أن تعيينه جاء على خلفية الكفاءة المهنية، إذ سبق له أن أدار عديد المؤسسات التونسية والدولية.
رفض التعيينات الحكومية في المؤسسات الإعلامية ليس بالجديد. إذ سبق أن رفض العاملون في إذاعة "شمس أف أم" تعيين مديرة عامة للمؤسسة من قبل الحكومة، وقرروا الدخول في اعتصام مفتوح داخل مقر الإذاعة يتواصل منذ أكثر من 23 يوماً، مطالبين الحكومة بعدم فرض تعيين أشخاص لا علاقة لهم بالمؤسسة لمجرد أرضاء أطراف سياسية. ودعوا الحكومة إلى التسريع في عملية بيع المؤسسة إلى مستثمر خاص، علماً أن الإذاعة كانت ملك سيرين بن علي، نجلة الرئيس التونسي المخلوع، قبل الثورة، وتمت مصادرتها. ويشترط المعتصمون الخصخصة في الإذاعة وفقاً لدفتر الشروط المتفق عليه بين الحكومة والأطراف النقابية، وهي شروط تنص على ضرورة احترام استقلالية الخط التحريري للإذاعة وضمان ديمومتها ومناصب العاملين فيها لمدة خمس سنوات.
المواقف الرافضة للتعيينات جابهتها الحكومة التونسية بالصمت، مؤكدةً تمسكها بهذه التعيينات التي ترى أنها الأصلح لهذه المؤسسات في الوقت الراهن. إلا أن الحكومة التونسية تعاني من مشكلة أخرى في ملف المؤسسات الإعلامية الرسمية، حيث عجزت حتى الآن عن تعيين مدير عام لواحدة من أكبر المؤسسات الإعلامية، وهي "الإذاعة التونسية" التي تضم 11 محطة إذاعية وتشغّل أكثر من 1180 عامل. ويتواصل تسيير شؤونها منذ أكثر من سنتين من قبل المدير العام للتلفزيون التونسي بشكل مؤقت، وهو ما يرى فيه بعض المتابعين للشأن الإعلامي فشلاً من الحكومة في إدارة هذا الملف، رغم أن "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" (الهايكا) و"النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين" و"النقابة العامة للإعلام" يطالبون منذ أكثر من سنة بضرورة الإسراع في تعيين مدير عام للإذاعة التونسية لكن الحكومة التونسية لم تستجب لمطلبهم.
عدم الاستجابة فسره بعض المتابعين للملف الإعلامي بالصراع الدائر في أروقة الحكومة التونسية حول الاسم المقترح لإدارة هذه المؤسسة والذي من المفترض أن يحظى بموافقة "الهايكا" مثلما ينص على ذلك المرسومين 115 و116 المنظمين لعمل القطاع الإعلامي في تونس. ويبدو أنه لم يحصل أي اتفاق بين الحكومة التونسية والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري حول من سيتولى إدارة الإذاعة التونسية، لذلك ظلت المؤسسة دون مدير عام رسمي منذ أكثر من سنتين.
وبذلك، يبقى ملف الإعلام في تونس من الملفات التي عجزت الحكومات المتعاقبة منذ الثورة التونسية على إدارتها فى ظل تداخل السياسي والمالي في القطاع، والذي تحاول كل الأطراف السياسية السيطرة عليه.