تقنية الجيل الثاني: الفجوة الرقمية المفروضة على قطاع غزة

05 يناير 2023
الباقات الورقية بالكاد تمكّن المشتركين من تبادل الرسائل (Getty)
+ الخط -

وسط الثورة التكنولوجية التي يُبشّر بها الجيل الخامس من الاتصالات، ما زال قطاع غزة غارقاً في ظلام رقمي، مستخدماً تقنية الجيل الثاني التي طُوي عليها الزمن في العالم الخارجي.

وتمنع إسرائيل إدخال الأجهزة اللازمة لبناء شبكات الجيل الثالث في غزة، حيث ما زالت شركتا الاتصالات الخلوية العاملتان في القطاع تقدّمان خدمات الجيل الثاني في تزويد مشتركيها بالإنترنت. وتتيح الشركتان للفلسطينيين شراء باقات وحزم إنترنت ضمن سرعات محدودة وأسعار مرتفعة، لاستخدام هواتفهم الذكية في الأماكن العامة التي تخلو من وجود الإنترنت الثابت.

ويشكو الفلسطينيون عدم فاعلية تلك الباقات في تنفيذ الأعمال المختلفة عن بعد، حيث يقتصر اعتمادهم عليها على إرسال الرسائل القصيرة واستقبالها، واستخدام بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي. ويقول مسؤولون إن حرمان غزة تقنيات الجيل الرابع والخامس يخلق فجوة رقمية كبيرة تمنع من النمو الاقتصادي في القطاعات التكنولوجية والصناعية والحيوية كافة.

وفي 2018، بدأت الضفة الغربية باستخدام تقنية الجيل الثالث (3G) على أجهزة المحمول، بعد مرور 11 عاماً من المطالبات والمفاوضات للحصول على هذه الخدمة.

وصول جزئي

يعتمد الفلسطينيون في منازلهم على الإنترنت الواصل من شركة الاتصالات (الأرضية) الوحيدة في القطاع، أو على بعض الأشخاص الذين يزوّدونهم بخطوط إنترنت مأخوذة أصلاً من الشركة.

وتلجأ بعض العائلات الفقيرة المحرومة خدمة الإنترنت المنزلية الدائمة، إلى التعامل مع الباقات زهيدة الثمن، للوصول إلى الخدمات التي يريدونها مؤقتاً وفق حاجتهم.

لكن تلك الباقات بالكاد تمكّن المشتركين من تبادل الرسائل، فيما يعجزون عن استخدام المتصفحات أو برامج المحادثات المرئية والمسموعة، لاستكمال أعمالهم أو القيام بواجباتهم.

ويقول عزيز أبو نجيلة، شاب فلسطيني يعمل في بيع تلك الباقات، إنه "بدأ ببث إشارة الإنترنت وبيع الباقات منذ نحو ثلاث سنوات". وأضاف أن "هذه الباقات توفّر الخدمة اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية للفلسطينيين الذين لا تصل إليهم الخدمة، أو الراغبين في استخدام الإنترنت في الشارع". ويوضح أن إصدار هذه البطاقات عادة يكون إما عبر "شركات متخصصة أو أفراد".

بدورها، تقول الفلسطينية ريم عفانة، إنها تنتظر اليوم الذي ترى فيه إشارة تردد الجيل الثالث على هاتفها الذكي، ما يتيح لها القيام ببعض أعمالها في الخدمات الإلكترونية في الخارج. وتضيف أن "غزة تبعد عن العالم الرقمي الجديد مسافات كبيرة، وهناك ضرورة ملحّة للحاق بالركب الرقمي العالمي". وتوضح أنها تعاني كثيراً من الإمكانات الضعيفة التي توصل إليها خدمة الإنترنت على جهازها النقّال، وخاصة في أوقات ضغط العمل أو الحروب التي تفقد فيها الخدمة بشكل شبه كامل.

فجوة رقمية

زياد الشيخ ديب، المدير العام للتراخيص في وزارة الاتصالات الفلسطينية بغزة، قال إن "القطاع ما زال يعمل بالجيل الثاني في ظل التكنولوجيا العالمية والوصول إلى الجيل الخامس". ويبين أن الفجوة الرقمية التي يعاني منها القطاع "لا تؤثر فقط في المجال التكنولوجي، بل ألقت بظلالها السلبية على القطاع الاقتصادي والصناعي كاملاً". وأردف: "تقنيات الجيل الخامس توفّر سرعات هائلة لإجراء وتوفير الخدمات الإلكترونية والمالية ولشركات البرمجة، هذه التقنية تدفع نحو النمو الاقتصادي في البلاد التي تعتمد عليها في جميع القطاعات". وأوضح أن القطاعات الاقتصادية والصناعية في الخارج تعتمد أساساً على التكنولوجيا التي أصبحت المطوّر الأول لها.

أرجع الشيخ ديب، الفجوة الرقمية لـ"الاحتلال الإسرائيلي وحصاره المتواصل لقطاع غزة للعام الـ16 على التوالي". وبيّن أن تشديد الحصار الإسرائيلي ومنع استخدام تقنيات الجيل الثالث وما جاء بعده في غزة يهدف إلى "منع النمو الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية". ولفت المسؤول بوزارة الاتصالات إلى وجود خشية إسرائيلية من حدوث "انفراجة في الاقتصاد الفلسطيني". وذكر أن الحصار حرم الفلسطينيين بغزة أدنى "الاحتياجات من التكنولوجيا في قطاع الهاتف الخلوي، وحجب عنهم التطورات التكنولوجية في هذا السياق".

واستكمل قائلاً: "في غزة لدينا كفاءات وخريجون وموارد بشرية قادرة على العمل ضمن مستوى دولي من خلال منصات العمل عن بعد، لكنها تحتاج أساساً إلى بنى تحتية تكنولوجية قوية".

وطالب الشيخ ديب، الاتحاد الدولي للاتصالات والأمم المتحدة بـ"وقف الإجراءات الإسرائيلية التي تخلق فجوة رقمية بين قطاع غزة والعالم".

آثار سلبية

يرى سلطان جحا، المختص في الإعلام الرقمي، أن غياب تقنيات الإنترنت الحديثة سبّب "استنزاف الوقت والجهد لجميع العاملين في المجالات التي تحتاج إلى هذه الشبكة في الأوقات والأماكن كافة".

ويضيف جحا: "نعاني من عدة تعقيدات رقمية، حيث لا يكتفي الاحتلال بمنع وصول التقنيات الحديثة لغزة، بل نعاني أيضاً من تردي البنى التحتية الخاصة بقطاع الإنترنت، إذ يُمنع تطوّرها". ويوضح أن غياب هذه التقنيات أثر سلباً في "أداء الصحافيين والناشطين بشكل خاص، الأمر الذي بات يشكّل عبئاً كبيرا عليهم".

ومن الناحية القانونية، يشير جحا إلى أن الحصول على "خدمة الإنترنت حق مكفول بالقانون الدولي". وتابع: "ما زال الفلسطينيون في غزة يستخدمون الجيل الثاني، وسط ثورة رقمية تحدث في العالم الخارجي، والتوجّه نحو رقمنة الحياة بشكل كبير". واستكمل قائلاً: "التطبيقات الرقمية أصبحت جزءاً من الحياة، لكن الاحتلال ما زال يعرقل الوصول إلى تلك التطبيقات ويصعّب الحياة على الغزيين". وأردف المسؤول الفلسطيني، قائلاً: "التكنولوجيا حلّت العديد من المشاكل، لكننا نعجز عن الوصول إليها".

وطالب بضرورة وجود ضغط دولي من الجهات الدولية لإلزام إسرائيل من أجل تمتّع الفلسطينيين بحقوقهم المكفولة دولياً. وأضاف: "يجب تشكيل أداة ضغط على المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لإدخال تلك الخدمات إلى غزة".

ودعا جحا وزارة الاتصالات الفلسطينية إلى "بذل المزيد من الجهود لفضح الانتهاكات الإسرائيلية في المحافل العربية والدولية وتقديم شكاوى في المحاكم ذات الاختصاص".

وفي ختام حديثه، أشار إلى أن السلطات الإسرائيلية "تمنع وصول معدات وخدمات وتقنيات الإنترنت الحديثة إلى غزة، بدعوى أنها مزدوجة الاستخدام".

(الأناضول)

المساهمون