"بروجيكت باور": وجبة سريعة

25 اغسطس 2020
مقاربات مستهلكة تجعل الفيلم أقرب للترفيه البصري (نتفليكس)
+ الخط -

يتردد حالياً أن نتفليكس أصبحت تعتمد صيغة لأفلام الأكشن أساسها نجم يُدفع له مبلغ هائل من النقود، وحكاية تقليدية تدور أحداثها في مكان واحد ما يخفف التكلفة الكلية. هذه الصيغة نراها في فيلم أولد غارد الصادر هذا العام، وتكررت حالياً في فيلم "بروجيكت باور" project power بطولة جيمي فوكس. 
الفيلم يشابه في حكاياته سلسلة limitless، لكننا هذه المرة أمام مخدر أخطر، يمكن لمن يتعاطاه أن يمتلك قوة خارقة خاصة به لمدة خمس دقائق فقط. خطورة هذا المخدر أنه قد يودي بحياة من يتعاطاه، لأن آثاره الجانبيّة غير محسوبة، وهذا ما يسعى جيمي فيوكس، الضابط السابق في البحريّة، إلى إيقافه، كون ابنته تحمل الصيغة الأنسب في دمها لإنتاج المخدر من دون آثار جانبيّة، ما أدى إلى اختطافها من قبل الشركة المصنّعة. 
يراهن الفيلم على القدرات الكوميدية لجيمي فوكس، في ذات الوقت يكرر كل الصيغ الكليشية والتقليدية التي تحويها أفلام الأكشن-كوميدي، إذ يموت الأشرار وينتصر الأخيار، أولئك الذين يضطرون للجوء إلى العنف، ليس فقط لإنقاذ من يحبون، بل لإنقاذ الجميع؛ إذ يحاول الضابط في الفيلم إيقاف تدفق المخدر إلى المدينة، مستهدفاً الشركة السريّة التي تصنعه، والتي تريد السيطرة على العالم، وقامت باختبار المخدر على سكان نيو أورلينز من أجل تطويره ومعرفة المخاطر التي قد تنشأ عنه. 


الرسالة السياسية وراء الفيلم أيضاً تبدو مهترئة كونه يراهن على الصور النمطية، وأن هناك مؤسسة سرية تحاول السيطرة على العالم، ويذهب ضحيتها الأضعف، وهم الشبان الضائعون، سواء كانوا بيضاً أو سوداً، لتظهر أمامنا شخصية الطفلة التي تغني الراب وتساعد الشرطيّ الذي يعمل منفرداً، وتقف إلى جانب الضابط الذي يبحث عن ابنته. لا شيء جديداً يقدّمه الفيلم، كل الحكاية يمكن توقعها بمجرد مشاهدة التريلر الترويجي للفيلم. 
لا يترك الفيلم لنا مسافة للتفكير أو مساءلة أي من القضايا التي يتناولها.. أشبه بوجبات سريعة تتناسب مع كل قضيّة، مشكلة العرق في أميركا، الحل جاهز؛ شرطي أبيض وضابط أسود يتعاونان ضد الأشرار. مشكلة الأطفال والمخدرات، الحل بسيط؛ فتاة تعي المخاطر المرتبطة بالمخدرات، فلا تتعاطاها  لكنها تعمل كتاجرة مخدرات لمساعدة والدتها التي لا بد لها من عمليّة كي تنجو من السكري.
المنظمة السريّة التي تريد السيطرة على العالم، لا داعي للتفكير، يمكن لشخصين مواجهة المنظمة بأكملها واستخدام سلاحها ضدها. هذه المقاربات تجعل الفيلم أقرب للترفيه البصري، المُشاهد ينتظر مشاهد القتال والإبهار من دون داع للتركيز في الحكاية لأنها مكشوفة وواضحة. 

يمكن تحميل الفيلم العديد من الدلالات التي لا يناقشها بعمق. مثلاً، لماذا خمس دقائق فقط؟ هل هي تشابه دقائق الشهرة الخمس؟ خصوصاً أن المخدر بالنسبة لمن لا يمتلك القدرة على ضبط ذاته قد يودي بحياته، بل إلى هلاكه كونه يعميه عما حوله. ذات الأمر في دقائق الشهرة التي تحول من يتبناها للأقصى إلى أعمه عما يحصل حوله، يحرق نفسه من الداخل في سبيل "القوة" والرغبة بالتفوق على ذاته. 
السطحية التي يتناولها الفيلم تمتد أيضاً لبعض القضايا الشائكة، كالشرطي الذي يشتري مخدرات من طفلة، وأثر إعصار كاترينا على نيو أورلينز التي تحولت إلى مختبر للمخدرات بسبب الإهمال الحكومي. هذه القضايا الشائكة تظهر بصورة عرضيّة من دون الغوص في تبعياتها، بل كأن المدينة متروكة لنجاتها، ينقذها أبطال فرديون لا يحسبون نتائج أعمالهم. 
الجدير بالذكر أن هناك العديد من الاتهامات الموجهة للفيلم بوصفه مقتبساً عن فيلم هندي يناقش ذات الموضوع، حقيقة مكونات الفيلم الحكائيّة تحمل داخلها احتمالات كان من الممكن أن تجعله أشد قدرة وعمقاً، لكن صيغة نتفليكس هذه حولت الأفلام إلى مجرد إنتاجات لتمضية الوقت، والرهان على قوة النجم على حساب قوة الحكاية.

المساهمون