يُصدر ناقدٌ أو صحافي سينمائي عربي (يبدو أنّ كلّ مفردة منهما تحتاج بشدّة إلى إعادة تفسيرٍ وتحديدٍ، في مشهدٍ عربي حاليّ بائسٍ) كتاباً، يضمّ مقالاتٍ له منشورة في صحف ومجلات، ومواقع مختلفة كالحاصل منذ أعوامٍ عدّة، فيتباهى به كأنّه إنجاز غير مسبوق. يندر أنْ يكون التأليف بحثاً وتنقيباً ودراسةً، تستند إلى علوم ومعارف وثقافة ووعي. المأزق أنّ عادة عربية كهذه تزداد حضوراً، بدلاً من أنْ يغلبها جيلٌ جديد من نقّاد قليلين وصحافيين سينمائيين أكثر، بعضهم يمتلك حماسة اشتغال واضحة، فتكون النتيجة كتباً تحتوي على شيءٍ مُفيد.
التباهي معضلة، فالكتاب مقالاتٍ تُقرأ مرّة واحدة في صحيفة أو مجلة أو موقع. أحياناً، يصعب إكمالها. نادرة المقالات التي يُركَن إليها، لامتلاكها تحليلاً مُشوّقاً ومُثيراً لنقاشٍ، أو لتحريضها على إعادة مُشاهدة. نقّادٌ شبابٌ يستلّون من الغرب تجربةً تأليفية، تتمثّل بحوارٍ طويل مع مخرج أو ممثلة أو عاملٍ في مهنة سينمائية، لكنّ هذا قليلٌ للغاية.
صاحب كتاب المقالات يرفض كلّ تعليق غير متوافق وتباهيه بمُنجَزٍ، غير مالكٍ إضافةً يُستعان بها لفائدةٍ مرجوّة فيها. ينزعج، بل يغضب من نقدٍ يفضح غشّاً أو بهتاناً أو أخطاءً، فهو غير مُخطئ البتّة، ظنّاً منه أنْ تجربة سنين في الصحافة السينمائية والنقد تحصّنه من كلّ خطأ، إذْ لن يُصادف في سيرته تلك من يفضح غشّاً أو بهتاناً أو أخطاءً له وفي مقالاته.
هذه مُصيبة. جيل أو أكثر من صحافيين سينمائيين ونقّادٍ سابقين يعتبرون نصوصهم أرفع من أنْ تُنتَقد، وأعلى من أنْ تُمَسّ، وأعمق من أنْ تُفهَم، بسهولة أو صعوبة. هؤلاء يعتبرون سنين تجاربهم السابقة حصانةً مُقدّسة، لأن لا أحد يجرؤ على مقارعتهم، فهم غير مستمعين وغير موافقين وغير راضين، وقلّة قليلة منهم تكسر هذا الطوق عنها، فتتواصل مع شبابٍ يريدون استكمال كتابةٍ نقدية، من دون قطع مع الماضي، رغم مصائبه، ويسعون إلى التأقلم مع عصرٍ حديثٍ، من دون الغرق في دوّامته القاتلة.
نتاج جيل أو أكثر من أولئك السابقين يحتاج إلى قراءة وافية لكسر الهالة المزيّفة التي تُحيط به. هذا غير هادفٍ إلى إلغاء كلّ شيءٍ، فللسابقين كلامٌ وقراءات وتوثيق تبقى أساسية وثابتة، رغم حاجتها إلى قراءة تفكيكية.