الموسيقى لتخفيف الضغوط عن أطفال غزة

03 اغسطس 2023
خلال تدريبات الفريق (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

يتناغم صوت عشرات الأطفال الفلسطينيين مع الألحان التراثية والوطنية، ليصنعوا بصوتهم لوحات غنائية ضمن كورال السنونو، الذي يعنى بجمع الأطفال الموهوبين، وتدريبهم على الغناء الجَماعي، على لحن واحد، وطبقة صوتية واحدة.
ويدمج كورال السنونو، التابع لمؤسسة السنونو للثقافة والفنون، بين هدفين أساسيين، يتمثل الأول في عكس التُراث الوطني، والحفاظ على الموروث الثقافي الفلسطيني، والآخر استخدام الموسيقى كأداة هامة للتفريغ النفسي عن الأطفال الفلسطينيين، في ظل ما يتعرضون له من أحداث مُتلاحقة.
وينعكس التراث الفلسطيني بشكل واضح عبر أغاني الجفرا، والدلعونة، وظريف الطول، والمواويل التي يتشارك فيها الأطفال، فبما بدا الانسجام واضحاً على ملامحهم خلال تلقي التدريبات على مختلف الآلات الموسيقية، وطبقات الصوت، والتي تنتهي بتنظيم احتفال يُشارك فيه الأطفال لعرض مواهبهم الفنية، والغنائية.
ويخضع الطفل منذ اللحظة الأولى للتسجيل في المؤسسة إلى اختبار تحديد الموهبة، واختبار الصوت والعزف، والنغم، والايقاع، ومن ثم إشراكه في الكورال لتشكيل اللوحات الموسيقية، والغنائية مُتكاملة المشهد، خلال العروض الفنية التي ينظمها "السنونو".
ويوازن كورال السنونو بين الشق العملي المتمثل في تعليم العزف، ويضم مختلف الآلات الموسيقية، مثل العود، والبيانو، والتشيلو، والناي، والأكورديون، والغيتار، والدرامز، وتعليم نظريات الموسيقى، وقراءة النوتة الموسيقية، وتعليم الغناء والكورال وتطوير الصوت، وتعليم الدبكة والفن التشكيلي، والشق الثاني المتمثل في التفريغ النفسي عن الأطفال في ظل ما يتعرضون له من حروب وأحداث مُتتالية، تؤثر على سلوكهم وحالتهم النفسية.
وتتكاثف الجهود داخل أروقة المؤسسة، إذ يعمل الفريق مع الأطفال كخلية نحل متكاملة الأدوار، يتنقلون فيها بين مختلف الآلات الموسيقية، والمقامات الصوتية، للخروج بلوحات فنية مُتكاملة، تظهر فيها قُدرة الأطفال على الغِناء الجَماعي المُنسجم، تطبيقاً للقواعد التي تدربوا عليها.
وبعد إتمام التدريبات يصطف أطفال الكورال جنبا إلى جنب في المهرجانات الختامية، لينطقوا بشكل جَماعي السلام الوطني الفلسطيني، وكلماته التي تبعث في الروح الطمأنينة، والانتقال للأغاني الوطنية وكلماتها المُلهِمة "مهما نتغرب راجعين، لترابك يا أحلى فلسطين"، و"لاجئ سموني لاجئ"، و"بكتب اسمك يا بلادي عالشمس اللي ما بتغيب".
ويضم كورال السنونو نحو 200 طفل وطفلة، ضمن مشروع "استمتع في حياتك بالموسيقى" وهو برنامج مجاني مُتاح للأطفال، يهدف إلى التفريغ النفسي لدى الأطفال، إلى جانب البحث عن المواهب وتطوير امكانيات الأطفال في مختلف المجالات الفنية والغنائية.
وتقول مديرة مؤسسة السنونو للثقافة والفنون، عرب محمد لـ"العربي الجديد"، إنّ تأسيس السنونو كان عام 2010، وهي مؤسسة أهلية، غير حكومية، وغير ربحية، تُكرس جهدها عبر مختلف الأنشطة للتخفيف من معاناة الأطفال والشباب النفسية، والتفريغ النفسي عنهم، عبر الغناء والموسيقى، من خلال برامجها الموسيقية.
وتشير إلى أنّ المشروع بدأ باستهداف نحو 200 طفل، تم استقطابهم من أطفال أونروا (الأطفال المُسجلين في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) حتى عام 2015، والذي شهد تطوراً في عمل المؤسسة، التي باتت تستهدف كل أطفال قِطاع غزة بدون أي استثناء، على اعتبار أن الأطفال بمجموعهم يتعرضون لمُختلف الممارسات الإسرائيلية، والتي تؤثر على حالتهم النفسية، بفعل تواصل الحصار الإسرائيلي منذ منتصف عام 2007.
واستخدمت المؤسسة الغناء للتفريغ النفسي عن الأطفال، وفق حديث محمد، بالإضافة الى برنامج "النقر على الطبول" الذي يجمع الاطفال للحصول على تدريبات مخصصة للتخفيف من حدة ووطأة الضغط النفسي عليهم، وتحديدا الأطفال الذين يتعرضون للضغط النفسي بعد الحرب.

وتعطي المؤسسة الأولوية للأطفال الذين يسكنون في المناطق المهمشة، والنائية والتي تعرضت في العدوان الأخير للقصف والدمار، للاستفادة من المنح والأنشطة، وقد حصلت مؤخرا على منحة من الوكالة الألمانية للتنمية لتنفيذ مشروع "استمتع في حياتك بالموسيقى" والذي يهدف إلى تعزيز الصحة العقلية، والصلابة النفسية لأطفال المدارس خصوصا الأطفال الذين تعرضوا للعنف أو الذين يعانون من ضغوطات ما بعد الصدمة، وذلك من خلال أنشطة دعم نفسي اجتماعي باستخدام الموسيقى.

وتحرص المؤسسة على تنظيم احتفال غنائي سنوي، يضم كافة أطفال الكورال، بطابع وطني، للحفاظ على الهوية الثقافية الفلسطينية، عبر الأغاني التي تحمل الرسائل الوطنية، والتي تسعى الى التأكيد على أهمية حق العودة، وحق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن موروثه الثقافي والتراثي، حاملة مع نغماتها رسالة للعالم أجمع بأن أطفال غزة من حقهم العيش بسلام، وبدون حروب، مثل باقي أطفال العالم.

المساهمون