الموساد في طهران والسينما

12 اغسطس 2024
من فيلم "ميونيخ" (إكس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تعددت الروايات حول اغتيال إسماعيل هنية في طهران، وأشارت معظمها إلى دور الموساد، مع سيناريو هوليوودي من نيويورك تايمز يتضمن زرع قنبلة في غرفته.
- الأفلام الوثائقية والدرامية، مثل "Inside The Mossad" و"The Spy"، ساهمت في بناء صورة مضخمة للموساد كقوة تتجاوز العقل والمنطق.
- الأفلام الروائية، مثل "World War Z"، صورت الموساد كمنقذ للبشرية، مما ساهم في تضخيم صورته، رغم أن الواقع قد يكون مختلفاً.

تعددت "روايات" اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، لكنها أجمعت على دور خاص لجهاز المخابرات الإسرائيلي في الخارج، وبلغ الخيال ببعض هذه الروايات وأكثرها شهرة، تلك التي تبنتها صحيفة نيويورك تايمز، إلى بناء سيناريو يكاد يكون مستحيلاً، يقوم بموجبه الموساد بوضع الخطط لاغتيال هنية قبل شهور من التنفيذ، وبزرع قنبلة في غرفته ببيت الضيافة في طهران قبل شهرين، وتفجيرها لاحقاً بالرجل بعد مشاركته في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.

تبدو الرواية هوليوودية بامتياز. لا تُعنى بالحقائق المجردة بل تُبنى على سلسلة من الصُّدَف التي قلما تجتمع معاً إلا في حالة كونها رواية، قابلة للحذف والإضافة، ومنها مثلاً، أنّ أحداً في العالم باستثناء الخالق في عُلاه، ما كان يعلم أو يتنبأ بموت الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي في تحطّم طائرة وانتخاب مسعود بزشكيان رئيساً جديداً، ومشاركة هنية في حفل تنصيبه. لكنّ رواية "نيويورك تايمز" تغافلت عن ذلك وسواه من ثغرات، ما جعلها أقرب إلى الروايات التخييلية، وبما يكرّس صورة مضخّمة للموساد، باعتباره قوة تتجاوز حدود العقل والمنطق، وليس حدود الدول وحسب.

حضر الموساد كثيراً في السينما والمرويات الدرامية الأخرى، الوثائقية والتخييلية جزئياً، لكنّ هذا الحضور لم يكن دائماً متسقاً أو تمجيدياً قدر ما كان مشوّشاً ويزيد من غموض الصورة ويمنحها جاذبية مضاعفة.

وشهد العقد الأخير، على وجه الخصوص، طفرة ملحوظة في الإنتاجات التي تتناول الموساد. فقد بثت منصة نتفليكس، وحدها على الأقل، عدة أعمال وثائقية ودرامية عنه، من بينها Inside The Mossad عام 2018، وThe Angel في العام نفسه وهو عن أشرف مروان صهر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وThe Spy عام 2019 عن إيلي كوهين العميل الإسرائيلي في سورية، فضلاً عن الدراما التلفزيونية Tehran عام 2022 الذي بثت منصة آبل جزأين منه.

موقف
التحديثات الحية

وبعيداً عن الأعمال السينمائية الكبرى التي قاربته على نحو لا يُرضي حرّاس تلك الصورة في تل أبيب، ومنها "ميونخ" (2005)، فإن هناك أفلاماً روائية لا وثائقية، أقلّ أهمية، وتجارية، تتسلل فيها صورة الموساد أو تُقحَم بذكاء، وتساهم في إنتاج صورة للجهاز لا يحلم بها هو نفسه ما لم يكن وراءها. أفلام جعلته حاملاً مفاتيح الحرب والسلام في العالم، منقذاً للبشرية، رائياً ومستشرفاً الأخطار الكبرى، ورائداً في ابتكار سبل مواجهتها وتفكيكها، ومن بينها World War Z من إنتاج 2013.

في هذا الفيلم، يداهم العالمَ فيروس غامضٌ يحوّل البشر إلى زومبيز، ومن خلال رحلة جيري لين، المحقق في الأمم المتحدة، نتوصل إلى أن الدولة الوحيدة في العالم التي تحصّنت ضد المرض قبل الإعلان عن وجوده أصلاً هي إسرائيل، وعندما يلتقي جيري (يؤدي الدور براد بيت) رئيس جهاز الموساد في إسرائيل، ويسأله كيف عرفتم قبل غيركم؟ يبسط له الأخير استراتيجيات إسرائيل في مواجهة الخطر، وتقوم على نظرية الرجل العاشر، فعندما يُجمع تسعة أشخاص على صحة معلومة معينة فيجب أن يكون هناك رجل عاشر يرفضها، فاليهود، بحسب رئيس جهاز الموساد، لم يصدّقوا فكرة إرسالهم إلى معسكرات الاعتقال في الثلاثينيات، وعام 1972 رفضوا الإقرار بأنهم "سيُبادون"  في الألعاب الأولمبية، وقبل شهر من حرب عام 1973 أجمع أصحاب القرار بأن تحركات الجيوش العربية لا تشكّل تهديداً لإسرائيل، وكل هذه الأمور حدثت لأنه لم يكن هناك رجل عاشر يتعامل مع الاحتمال حتى لو كان ضئيلاً باعتباره الحقيقة المحتومة لاحقاً. وهكذا فإنهم في الموساد عندما اعترضوا رسالة من جنرال هندي تقول بأنهم يقاتلون راكشاشا (الزومبي) تعاملوا معها باعتبارها حقيقة، فبنوا أسواراً عالية حول القدس لصد العدو المقبل.

أفلام كهذه تقوم على الخيال، ساهمت بإنتاج صورة للموساد فشلت فيها الأفلام الوثائقية أو الروائية المستندة لوقائع وحوادث حقيقية، لكن هذا يظل في السينما لا في إيران، حيث التقصير الأمني لا عبقرية الموساد، ما جعل هذا الجهاز ينجح، وتطوعت وسائل إعلام كبرى لبناء رواية عن الحدث تساهم في تضخيم صورة الموساد، وبالتالي الرُّهاب منه، رغم أن "الفيلم" كله قد يكون في مكان آخر.

 

المساهمون