المغرب يواصل التضييق على الصحافيين الأجانب

27 سبتمبر 2023
المغرب في المرتبة 144 ضمن مؤشر حرية الصحافة (جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -

يبدو أن طرد الصحافيين الأجانب أصبح تقليداً في المغرب الذي يقبع في المرتبة 144 من أصل 180 بلداً ضمن التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي نشرته منظمة مراسلون بلا حدود في وقت سابق من هذا العام. إذ اعتُقل المراسلان كونتان مولر وتيريز دي كامبو، الأسبوع الماضي، حين كانا في فندقهما في الدار البيضاء، حيث كانا بصدد إنجاز تحقيق صحافي. وطردا من البلاد بعدها بساعات، من دون أي تفسير.
ووفقاً لـ"مراسلون بلا حدود"، فإن المصورة الصحافية المستقلة تيريز دي كامبو وزميلها نائب رئيس تحرير مجلة ماريان الفرنسية كونتان مولر أجبرا على مغادرة المغرب من دون سابق إنذار، بعدما "اقتحم فندقهما بطريقة وحشية عشرات من الرجال بملابس مدنية ويرتدون أقنعة طبية بينما كانت الساعة تشير إلى نحو الثالثة فجراً من يوم الأربعاء 20 سبتمبر/ أيلول، ليتم إخبارهما بأنه لم يعد مرحباً بهما في البلد، وتم نقلهما على الفور إلى مطار محمد الخامس حيث بقيا في الانتظار لأكثر من ساعة محبوسَين داخل مكتب الشرطة القضائية، إلى أن تم إبلاغهما بخبر ترحيلهما عبر طائرة متوجهة إلى مارسيليا".
واحتج كونتان مولر على ذلك الإجراء، موضحاً أنه يعيش في العاصمة باريس، وليس في المدينة الواقعة أقصى الجنوب الفرنسي، بينما أخبرت تيريز دي كامبو محاوريها بأنها تقيم في بروكسل، "فما كان من هؤلاء الرجال الذين قدَّموا أنفسهم على أنهم من عناصر الشرطة إلا أن هبُّوا لإحضار تذاكر سفر بديلة لتسفيرهما عبر رحلة متوجهة إلى مطار باريس شارل ديغول، بينما التقط أحدهم صوراً للصحافيَّين المطرودَين أثناء مغادرتهما الصالة والتوجه لركوب الطائرة"، وفقاً لـ"مراسلون بلا حدود".
ولم يقدَّم أي تفسير للصحافيَّين، وإن كان الصحافي المغربي المستقل المقيم في إسبانيا علي لمرابط قد أكد أن السبب الحقيقي لهذا الطرد هو اللقاء الذي جمع مولر ودي كامبو بأُسر المعتقلين السياسيين أثناء وجودهما في المغرب، وهو ما يمكن استنتاجه أيضاً من التغريدة التي نشرها كونتان بعد طرده، إذ أعلن عن قرب صدور "تحقيق مطوَّل عن الملك محمد السادس وحاشيته وأجهزته الأمنية". كما أكد نائب رئيس تحرير مجلة ماريان، وهو كاتب متخصص في الشؤون العربية، أنه تمكن من "جمع معلومات حصرية تصور نظاماً يزداد قسوة يوماً بعد يوم، بقدر ما يزداد خوفه من أي احتجاج محلي"، مضيفاً في تصريح خص به وكالة فرانس برس أن الطرد الذي طاولهما جاء نتيجة للقائهما بشخصيات مغربية خاضعة للمراقبة، مؤكداً في الوقت نفسه أنه "لا يوجد أي تفسير آخر" لهذا الاعتقال الذي وصفه بأنه "سياسي بحت".
ومن جهتها، أوضحت تيريز دي كامبو أن "هذه الممارسات أشبه ما تكون بأساليب البلطجية"، وقالت لـ"مراسلون بلا حدود" إن "الوضع يبعث على القلق، لأنه يُفترض في السلطات السهر على حماية الصحافيين الأجانب على أراضيها، لا عرقله عملهم بأساليب تعيد إلى الأذهان فصول بعض روايات التجسس"، وأضافت: "جنسيتي الفرنسية تضمن لي الحماية، فلأني صحافية أوروبية لم يتجاوز الأمر حد الطرد، لكن المغرب يئن منذ سنوات تحت منظومة قمعية حقيقية تطاول كل من يجرؤ على إبداء رأيه، فقد أقدمت السلطات المغربية على احتجاز الصحافيين الناقدين، وبلغ بها الأمر حد الزج بمواطنين في السجون لمجرد نشر تغريدة أو المشاركة في تظاهرات تعبِّر عن مطالب اجتماعية معيَّنة، علماً أن بعضهم حُكم عليه بالسجن لمدة 20 عاماً".
يُذكر أن هذه المصورة الصحافية غطت مختلف الحركات الاجتماعية التي شهدها المغرب، بما في ذلك حراك الريف الذي اندلع في شمال البلاد عام 2017، وهي أيضاً عضو في لجنة بروكسل لدعم المعتقلين السياسيين في المغرب.
في المقابل، علَّقت السلطات المغربية، الخميس، على قرار طرد مولر ودي كامبو، فقال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، في أعقاب اجتماع مجلس الوزراء، إن الصحافيَّين الفرنسيَّين دخلا المغرب "كسائحين"، وأنهما لم يبلغا السلطات عن نيتهما القيام بأنشطة صحافية.

ليست هذه المرة الأولى التي تجبِر فيها المملكة المغربية صحافيين أجانب على مغادرة أراضيها بالقوة. في يوليو/ تموز 2021 طُرد فرناندو غونزاليس وأربعة صحافيين آخرين من قناة لاسيكستا الإسبانية، وذكرت وكالة الأنباء الإسبانية حينها أن هذا الترحيل سببه تحقيقهم في وفاة 29 شخصاً جراء غرقهم أو إصابتهم بصعقة كهربائية على إثر تسرب مياه الأمطار إلى معمل للنسيج في مدينة طنجة، في وقت سابق منذ ذلك العام. 
وفي 28 سبتمبر 2017، طُرد أيضاً مراسل صحيفة ذا غارديان البريطانية سعيد كمالي دهقان أثناء تغطيته لتظاهرات الحسيمة. وفي مايو/ أيار 2017، اعتُقل في خضم تظاهرات الريف مراسل صحيفة الوطن الجزائرية، جمال عليلات، ثم طرد من الأراضي المغربية لتغطيته أحداث الحراك الشعبي. وبعدها بشهرين، طردت السلطات المغربية الصحافيَين الإسبانيَين، مدير موقع كورِّيو ديبلوماتيكو الإخباري خوسيه لويس نافازو الذي كان يقيم في المغرب منذ سنوات، وفرناندو سانز، مندوب الصحيفة في مدريد. وتعرَّضا بدورهما لهذا الإجراء على خلفية تغطيتهما لاحتجاجات الريف، وعلَّلت جهات رسمية هذا الترحيل بذريعة "أنهما لم يحصلا على الاعتماد اللازم" لأداء نشاط صحافي على أراضي المملكة.

المساهمون