المسَفَّن: وجبة تتربع على المائدة الفلسطينية في موسم الزيت

غزة

علاء الحلو

avata
علاء الحلو
15 نوفمبر 2022
"المسَفَّن" تراث من المطبخ الفلسطيني مرتبط بموسم الزيتون
+ الخط -

لا تخلو مائدة من موائد فطور وعشاء المزارعين الفلسطينيين، من خبز المسَفَن الفلسطيني، خلال موسم حصاد الزيتون، وعصر الزيت، نظراً للطاقة الكبيرة التي يمنحها لهم خلال عملهم المرهق في أراضيهم الزراعية.

وانتقلت وجبة المسَفَن التراثية، من بيوت المزارعين والفلاحين، إلى كُلّ بيت فلسطيني. وعادةً ما تحضّر هذه الوجبة في شهري أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، وهي الأشهر التي تتقاطع مع موسم قطف الزيتون وعصر الزيت، نظراً لاعتماد عجينة المسفن بشكل أساسي على الزيت.

ودأبت الجدّات في فلسطين قديماً على إعداد هذا النوع من المخبوزات الشهية غير التقليدية، والتي باتت تعتبر جزءاً لا يتجزّأ من التراث الفلسطيني القديم، ليتم تناولها في وجبة الفطور، وهي غنية بزيت الزيتون، ويتمّ تناولها مع الشاي في فطور الصباح أو وجبة العشاء.

واعتادت الفلسطينية صابرين السيلاوي إعداد أكلة المسفن، التي ترى بأنّها وجبة فلسطينية تراثية بامتياز، كانت تصنعها النسوة كبيرات السن في موسم قطف الزيتون وصناعة الزيت، لتقديمها إلى المزارعين مُرفقة بالأكلات الحلوة والمالِحة، مثل أصناف الأجبان البلدية، والزعتر، واللبنية، ودبس التمر، إلى جانب أيّ صنفٍ من أصناف مربى الفواكه.

وتصف السيلاوي، وهي منهمكة في صناعة المسَفَن لـ"العربي الجديد"، محتويات العجينة الصفراء، والتي تتكوّن من الطحين، وحَبَة البركة، والسمسم، ودقة الكعك، فيما تعتمد اعتماداً أساسياً على زيت الزيتون، ويُضاف إليها بهار الكركم، وهي توليفة متناسقة، صنعتها الجدات بحُب، فيما تمنح طاقة لآكليها خلال موسم الزيتون، نظراً لغناها بالمواد الغذائية المتكاملة.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتمُر عملية صناعة المسفن الفلسطيني، بالعديد من الخطوات، والتي تبدأ بتجهيز المكونات الأساسية، وفق مقادير مُحدّدة، بناءً على الكمية المطلوبة، حيث يتطلب كل كيلوغرام من الطحين، 100 غرام من السمسم، و100 غرام من حبة البركة، و50 غراما من دقة الكعك، والحليب، وكمية وافية من زيت الزيتون، والذي يدخل في أكثر من مرحلة خلال التصنيع، إلى جانب السمن البلدي.

ويتمّ عجن الخليط، مع إضافة ماء دافئ، أو استبدال الماء بالحليب، ودمج الكركم مع العجينة لإضافة اللون الأصفر المُتعارف عليه، وإضافة الخميرة، ويستمر العجين وصولاً إلى عجينة بقوام متماسك، وتركها لمدة ثلث ساعة حتى تتخمّر، وبعد ذلك يتمّ تقطيعها إلى قطع متساوية، وفردها بسُمك واحد سنتيمتر، وتحويل القطعة الدائرية إلى شكل خماسي أو سداسي، بعد جذب الأطراف إلى المنتصف، لتخرج بالشكل التقليدي الجميل.

ويتطلب خَبْز قطع المسفن ناراً هادئة، لمدة تتراوح بين 10 و15 دقيقة، وصولاً إلى مرحلة الخبيز النهائية، بهدف تحمير سطح القِطع. وبعد إتمام عملية الخبيز، يتم دهنها مُجدّداً بزيت الزيتون، وتقديمها إلى جانب الأجبان والألبان، وباقي المقبلات المطلوبة، والتي يُحدّدها ذوق الشخص.

صابرين السيلاوي تعد طبق المسفن الفلسطيني / عبد الحكيم أبو رياش
(عبد الحكيم أبو رياش/ العربي الجديد)

وتنبع أهمية الأكلات التُراثية، وفق السيلاوي، من كونها أحد أهم مكونات التراث الفلسطيني، وهي أكلات قديمة وصحية، وتحمل الكثير من العناصر الغذائية الطبيعية، والتي تمنح الإنسان طاقة تُعينه على إتمام مهامه العملية اليومية والمرهقة.

ولا تُنكر السيلاوي، تهميش العديد من الأكلات التراثية، على الرغم من قيمتها الغذائية والتراثية العالية، والفائدة الكبيرة التي تقدمها، والاتجاه إلى الأكلات السريعة وغير الصحية. وتعيد ذلك إلى الانشغال والحياة السريعة، خاصةً وأن الأكلات التراثية تحتاج إلى العديد من الخطوات لصنعها، إلّا أنّها في الوقت ذاته تُنبِّه لأهمية الحِفاظ عليها، وتقول: "يجب الاهتمام بمختلف تفاصيل التراث الفلسطيني، والأكلات القديمة".

ويأتي الحفاظ على الأكلات التراثية والوطنية الفلسطينية، في ظل الهجمة الإسرائيلية التي تستهدف كلّ ملامح التراث الفلسطيني، حيث لوحِظت في الأنشطة الإسرائيلية مُحاولات للسطو على بعض الأزياء المُطرزة باللون الفلسطيني، علاوةً على نسب العديد من الأطباق والأكلات التراثية الفلسطينية الأصيلة إلى دولة الاحتلال، فيما يواجه الفلسطينيون تلك المُمارسات بتعميق الاهتمام بالتراث، وتطعيم حياتهم اليومية بملامحه.

وتتزيّن المعارض والأنشِطة والفعاليات التراثية التي يتم تنفيذها في المُناسبات الوطنية، مثل يوم الزي الفلسطيني، ويوم التراث الوطني، وذكرى النكبة، بزوايا خاصة بالأكلات الفلسطينية الأصيلة، مثل المسفن والمقلوبة والمسخن والمفتول والشيش برك والرُمانية والسُماقية، وأصناف متنوّعة من المعجنات والحلويات، وغيرها من الأطباق التي اعتادت عليها المائدة الفلسطينية.

ذات صلة

الصورة
الدكتورة فيحاء عبد الهادي خلال حديثها لـ"العربي الجديد"

سياسة

تروي الباحثة الفلسطينية الدكتورة فيحاء عبد الهادي، في مقابلة مع "العربي الجديد" من الدوحة، فصولاً من سيرة المرأة الفلسطينية، وهي المتخصصة في هذا الشأن.
الصورة
امرأة في مدينة غزة عام 2021 (محمد عبد / فرانس برس)

منوعات

لا يستهدف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الفلسطينيين كبشر وحسب، وإنما هو تطهير عرقي، يسعى إلى طمس التراث والذاكرة، وكل ما يشير إلى أنها أرض فلسطينية
الصورة
	 يعمل الفريق على إعادة إحياء الأغاني التراثية (عبد الحكيم أبو رياش)

منوعات

تسيطر فكرة تحفيز الجماهير، على عمل أعضاء فريق ثورة الموسيقي، في غزة، والذي يحاول عبر الأغاني الثورية، والحَماسية سرد تفاصيل الواقع الفلسطيني، ومُجاراة مختلف المُستجدات الميدانية، وترجمتها فنياً من خلف ميكروفون التسجيل وأدوات العمل.
الصورة
4 طهاة فلسطينيين في جولة للتعرف على المطبخ الفلسطيني / رنين صوافطة / رويترز

منوعات

وجدت الطاهية الكندية الشهيرة سوزان الحسيني، في أوّل جولة طهي تعيدها إلى الأراضي الفلسطينية، فرصةً للمحافظة على الأطباق والعلاجات الشعبية الخاصة بأجدادها والترويج لها.
المساهمون