لا تخلو مائدة من موائد فطور وعشاء المزارعين الفلسطينيين، من خبز المسَفَن الفلسطيني، خلال موسم حصاد الزيتون، وعصر الزيت، نظراً للطاقة الكبيرة التي يمنحها لهم خلال عملهم المرهق في أراضيهم الزراعية.
وانتقلت وجبة المسَفَن التراثية، من بيوت المزارعين والفلاحين، إلى كُلّ بيت فلسطيني. وعادةً ما تحضّر هذه الوجبة في شهري أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، وهي الأشهر التي تتقاطع مع موسم قطف الزيتون وعصر الزيت، نظراً لاعتماد عجينة المسفن بشكل أساسي على الزيت.
ودأبت الجدّات في فلسطين قديماً على إعداد هذا النوع من المخبوزات الشهية غير التقليدية، والتي باتت تعتبر جزءاً لا يتجزّأ من التراث الفلسطيني القديم، ليتم تناولها في وجبة الفطور، وهي غنية بزيت الزيتون، ويتمّ تناولها مع الشاي في فطور الصباح أو وجبة العشاء.
واعتادت الفلسطينية صابرين السيلاوي إعداد أكلة المسفن، التي ترى بأنّها وجبة فلسطينية تراثية بامتياز، كانت تصنعها النسوة كبيرات السن في موسم قطف الزيتون وصناعة الزيت، لتقديمها إلى المزارعين مُرفقة بالأكلات الحلوة والمالِحة، مثل أصناف الأجبان البلدية، والزعتر، واللبنية، ودبس التمر، إلى جانب أيّ صنفٍ من أصناف مربى الفواكه.
وتصف السيلاوي، وهي منهمكة في صناعة المسَفَن لـ"العربي الجديد"، محتويات العجينة الصفراء، والتي تتكوّن من الطحين، وحَبَة البركة، والسمسم، ودقة الكعك، فيما تعتمد اعتماداً أساسياً على زيت الزيتون، ويُضاف إليها بهار الكركم، وهي توليفة متناسقة، صنعتها الجدات بحُب، فيما تمنح طاقة لآكليها خلال موسم الزيتون، نظراً لغناها بالمواد الغذائية المتكاملة.
وتمُر عملية صناعة المسفن الفلسطيني، بالعديد من الخطوات، والتي تبدأ بتجهيز المكونات الأساسية، وفق مقادير مُحدّدة، بناءً على الكمية المطلوبة، حيث يتطلب كل كيلوغرام من الطحين، 100 غرام من السمسم، و100 غرام من حبة البركة، و50 غراما من دقة الكعك، والحليب، وكمية وافية من زيت الزيتون، والذي يدخل في أكثر من مرحلة خلال التصنيع، إلى جانب السمن البلدي.
ويتمّ عجن الخليط، مع إضافة ماء دافئ، أو استبدال الماء بالحليب، ودمج الكركم مع العجينة لإضافة اللون الأصفر المُتعارف عليه، وإضافة الخميرة، ويستمر العجين وصولاً إلى عجينة بقوام متماسك، وتركها لمدة ثلث ساعة حتى تتخمّر، وبعد ذلك يتمّ تقطيعها إلى قطع متساوية، وفردها بسُمك واحد سنتيمتر، وتحويل القطعة الدائرية إلى شكل خماسي أو سداسي، بعد جذب الأطراف إلى المنتصف، لتخرج بالشكل التقليدي الجميل.
ويتطلب خَبْز قطع المسفن ناراً هادئة، لمدة تتراوح بين 10 و15 دقيقة، وصولاً إلى مرحلة الخبيز النهائية، بهدف تحمير سطح القِطع. وبعد إتمام عملية الخبيز، يتم دهنها مُجدّداً بزيت الزيتون، وتقديمها إلى جانب الأجبان والألبان، وباقي المقبلات المطلوبة، والتي يُحدّدها ذوق الشخص.
وتنبع أهمية الأكلات التُراثية، وفق السيلاوي، من كونها أحد أهم مكونات التراث الفلسطيني، وهي أكلات قديمة وصحية، وتحمل الكثير من العناصر الغذائية الطبيعية، والتي تمنح الإنسان طاقة تُعينه على إتمام مهامه العملية اليومية والمرهقة.
ولا تُنكر السيلاوي، تهميش العديد من الأكلات التراثية، على الرغم من قيمتها الغذائية والتراثية العالية، والفائدة الكبيرة التي تقدمها، والاتجاه إلى الأكلات السريعة وغير الصحية. وتعيد ذلك إلى الانشغال والحياة السريعة، خاصةً وأن الأكلات التراثية تحتاج إلى العديد من الخطوات لصنعها، إلّا أنّها في الوقت ذاته تُنبِّه لأهمية الحِفاظ عليها، وتقول: "يجب الاهتمام بمختلف تفاصيل التراث الفلسطيني، والأكلات القديمة".
ويأتي الحفاظ على الأكلات التراثية والوطنية الفلسطينية، في ظل الهجمة الإسرائيلية التي تستهدف كلّ ملامح التراث الفلسطيني، حيث لوحِظت في الأنشطة الإسرائيلية مُحاولات للسطو على بعض الأزياء المُطرزة باللون الفلسطيني، علاوةً على نسب العديد من الأطباق والأكلات التراثية الفلسطينية الأصيلة إلى دولة الاحتلال، فيما يواجه الفلسطينيون تلك المُمارسات بتعميق الاهتمام بالتراث، وتطعيم حياتهم اليومية بملامحه.
وتتزيّن المعارض والأنشِطة والفعاليات التراثية التي يتم تنفيذها في المُناسبات الوطنية، مثل يوم الزي الفلسطيني، ويوم التراث الوطني، وذكرى النكبة، بزوايا خاصة بالأكلات الفلسطينية الأصيلة، مثل المسفن والمقلوبة والمسخن والمفتول والشيش برك والرُمانية والسُماقية، وأصناف متنوّعة من المعجنات والحلويات، وغيرها من الأطباق التي اعتادت عليها المائدة الفلسطينية.