المساء يغيب عن الصحافة الورقية في مصر

06 يوليو 2021
تتحول "الأهرام المسائي" إلى إصدار إلكتروني (أود أندرسون/فرانس برس)
+ الخط -

ليل الأحد الماضي، اتخذت الهيئة الوطنية للصحافة في مصر (مؤسسة حكومية) عدة قرارات، في اجتماع الهيئة الوطنية للصحافة الذي عقد لساعات طويلة، كان أبرزها وقف طباعة ثلاث صحف مسائية قومية، ما اعتُبر "طعنات جديدة في جسد الصحافة الورقية المحتضر". كان القرار مباغتاً، بالرغم من توقّعه، نظراً إلى قرارات سابقة مشابهة. وانتهت الهيئة إلى عدد من القرارات، أهمها، الموافقة على تحويل إصدارات "الأهرام المسائي" الصادر عن مؤسسة "الأهرام"، و"الأخبار المسائي" الصادر عن مؤسسة "أخبار اليوم"، و"المساء" الصادرة عن مؤسسة "دار التحرير للطبع والنشر" إلى إصدار إلكتروني، على أن يحتفظ للعاملين بالإصدارات الإلكترونية بكافة وظائفهم وحقوقهم المالية من أجور ومزايا مالية أخرى، وأن يسري هذا القرار اعتبارًا من منتصف هذا الشهر، 15 يوليو/تموز 2021.

تلك القرارات عارضها صحافيون بمجرد صدورها، رغم تراجع معدلات قراءة الصحف الورقية في مصر بشكل كبير على مدار السنوات الماضية، وتحديدًا في فترة وباء كورونا، واقتصارها على الاشتراكات والفئة المثقفة في المجتمع، لا سيما بعد قرارات رفع أسعار الصحف الورقية المتعاقبة في السنوات الماضية. إذ يعارض قطاع كبير وواسع من الصحافيين المصريين هذه القرارات بوقف طباعة الصحف وتحويلها لمنصة إلكترونية، معلّلين موقفهم بأنه "لا يمكن على سبيل المثال وقف تداول العملات النقدية الورقية التي يستخدمها الشعب والعالم بأكمله، وبالتالي فإن اتخاذ مثل هذا القرار يخفي وراءه نية مسبقة بوقف طباعة عدد من الإصدارات الورقية التابعة للمؤسسات القومية، تماشيًا مع خطة التطوير الجديدة التي تبنتها الحكومة والتي تعتمد على مبدأ الدمج".

التخوف الأكبر من هذا القرار، والاعتراض عليه، يأتي من منطلق التساؤل عن مصير مئات وربما الآلاف من العاملين في تلك الإدارات من صحافيين وتقنيين ومخرجين صحافيين ومصورين وإداريين، وغيرهم. أما التخوف الثاني، فمرهون بتعاقب الصباح بعد المساء. إذ إنّ خطوةً كهذه تمهّد لقرارات دمج إصدارات صباحية، أو غلق بعضها أو تحويلها لمنصات إلكترونية، خاصة مع تراجع بيع الصحف بشكل عام في مصر، ومعاناة الصحف القومية بشكل خاص من قلة توزيع أعداد الصحف.

مع ذلك، فإن هذه الخطوة كانت متوقعة منذ فترة، خاصة بعد خطة "الرقمنة" التي طرحتها الحكومة مطلع عام 2020، في إطار خطة تطوير المؤسسات الصحافية القومية في مصر. وعزّز تلك التوقعات أيضًا، تخطي مديونيات المؤسسات الصحافية المصرية، حاجز الـ20 مليار جنيه مصري، والتي تتمثل أغلبها في ديون لجهات حكومية، وبنوك تابعة للقطاع الخاص، وديون في هيئة قروض تم الحصول عليها سابقًا للتطوير والتحديث.

ويشار هنا، إلى أنّ "مشروع التحول الرقمي الشامل" الذي تبنّته الحكومة المصرية منذ عام 2020، يهدف إلى تبني مشروع وطنيّ لرقمنة الإعلام المصري. ويستهدف "تحويل أكبر قدر من الصحف القومية تدريجيًّا إلى نسخ إلكترونية ضمن منصة واحدة عملاقة للأخبار والصحافة المعمقة"، فضلًا عن "استغلال الأرشيف التراثي الهائل للصحافة والإعلام المصري ورقمنته ليكون متاحًا للجميع".

يبلغ عدد الصحف الورقية اليومية في مصر 22 جريدة، منها 9 صحف حكومية، و12 خاصة، وواحدة حزبية، بحسب المجلس الأعلى للصحافة. وبالرجوع إلى أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (مؤسسة حكومية مصرية) في ما يخص أعداد الصحف المصرية الصادرة، فقد انخفض عدد الصحف الورقية من 142 صحيفة عام 2010 إلى 76 صحيفة عام 2017. وفي تصريحات صحافية سابقة، لوزير الدولة للإعلام السابق، أسامة هيكل، فإن الصحف المصرية مجتمعة توزع متوسط 300 ألف نسخة يوميًّا منذ 2020، بينما كانت توزع جريدة الأهرام وحدها عام 1980 قرابة مليون نسخة يوميًّا، حينما كان عدد المواطنين 40 مليونا فقط. الأرقام أكدها أيضًا نقيب الصحافيين المصريين ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، في تصريحات صحافية قال فيها إنّ "توزيع الصحف المصرية انخفض بنسبة 90% منذ 2010، وإنّ الصحافة المصرية كانت توزع مليونا و100 ألف نسخة ورقية خلال عام 2010"، مشيرًا إلى أن نسبة توزيع الصحف الورقية حاليًّا بلغت 300 ألف نسخة يوميًّا.

والصحف القومية تقوم الدولة بإدارتها وتمويلها وتعيين رؤساء تحريرها، وهي تعبّر عن رأي الحكومة وسياستها. وأهمها: "مؤسسة الأهرام" التي تصدر يوميتين هما "الأهرام" منذ (1876)، و"الأهرام المسائي"، ونحو 15 جريدة ومجلة بين شهرية وأسبوعية ومطبوعتي "الأهرام إبدو" و"ويكلي" باللغة الإنكليزية، ويتبع "مؤسسة الأخبار" يومية "الأخبار" وأسبوعية "أخبار اليوم"، ونحو 9 إصدارات أسبوعية وشهرية، مع ما يصدر عن "دار التحرير" من يوميتي "الجمهورية" و"المساء"، ومطبوعات أسبوعية وشهرية وأجنبية مثل "إيجيبشيان غازيت" (1880)، و"لو بروغريه إيجيبسيان" (1893).

في تقرير لها صادر في يناير/كانون الثاني 2021، أشارت مؤسسة "حرية الفكر والتعبير"، إلى أنه لا مستقبل للصحافة الورقية في ظل التحول الرقمي، وأن معدل توزيع الصحف يوميًّا في مصر يعاني انخفاضًا حادًّا وملحوظًا منذ العام 2013. وأرجع التقرير موقفها إلى أنه "في ظل التنامي الواسع في استخدام مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي كمنصات بديلة مجانية للوصول إلى الأخبار والبيانات والمعلومات ونشرها وتداولها بشكل لحظي ومن قلب الحدث وأحيان كثيرة دون وسيط أو رقيب، عن طريق المواطنين كأحد أشكال صحافة المواطن؛ بالإضافة الارتفاع الكبير في أسعار الورق ومستلزمات الطباعة وتكلفة التوزيع، كل ذلك أدى إلى تراجع شديد في معدلات توزيع الصحف المصرية خلال السنوات الأخيرة، ما أدى بدوره إلى هجرة المعلنين إما إلى التلفزيون وإما إلى الإنترنت لما يوفره كلا البديلين من مزايا أكبر في الوصول إلى الجمهور المستهدف".

المساهمون