المرسوم 54 سيف مسلط على حرية التعبير في تونس

02 فبراير 2024
استعملت السلطات المرسوم لإسكات المعارضين (Getty)
+ الخط -

بعد سلسلة من القرارات والأحكام القضائية بالسجن لسياسيين وصحافيين وفنانين، عاد الجدل مجدداً في تونس حول المرسوم 54 الذي أصدره الرئيس قيس سعيّد في 13 سبتمبر/ أيلول 2022، والمتعلق بمكافحة الجرائم الإلكترونية، خاصة الفصل 24 الذي يجرم حرية التعبير وتصل العقوبات فيه إلى السجن 10 سنوات.

وأصدر القضاء التونسي، الخميس، حكماً بالسجن سنتين على شاب رسم جدارية في محافظة المنستير لسعيّد، بعد فترة قصيرة على إيداع رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسى السجن بسبب فيديو نشرته على "إنستغرام"، وإخضاع الصحافي زياد الهاني والمحامية سنية الدهماني للتحقيق بسبب تعليقاتهما في برنامج بثّته إذاعة إي أف أم الخاصة.

ومنذ إقراره، اعتبرت المنظمات الحقوقية والنقابات المهنية المرسوم 54 بمثابة سيف مسلط على حرية الصحافة والتعبير في تونس، وتتالت دعواتها إلى إلغائه منذ أكثر من سنة من دون استجابة من قبل السلطات التونسية.

ورأت عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين التونسيين جيهان اللواتي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "المرسوم 54 يشكّل خطراً على حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير، وتوظفه السلطة التونسية لإسكات كل الأصوات المعارضة"، مضيفة أن "توظيف هذا المرسوم من قبل الأجهزة القضائية التونسية فيه انحراف غير مقبول عن نصوص أخرى تنظم الإعلام في تونس، ومنها المرسوم 115 الذي لا توجد فيه عقوبات بدنية سالبة للحرية مثل ما هو الشأن للمرسوم 54".

وأطلقت 9 منظمات مهنية وحقوقية تونسية، منها النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والجامعة العامة للإعلام ومجلس الصحافة والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا)، الجمعة، صيحة فزع حول الوضع الصعب الذي يمرّ به الإعلام التونسي.

وأشارت المنظمات في بيان إلى أنّ الإعلام التونسي "يعيش وضعاً خطيراً" في ظلّ "تأخّر إصلاح مؤسّسات الإعلام العمومي، ما يهدّد قدرتها على أداء وظائفها"، فيما المؤسسات الصحافية "هشّة وغير قابلة للحياة"، خاصةً أن "سوق الإعلانات التجارية محدود وغير منظم ما يُفسد التنافس الحر".

ولفت الموقعون إلى تراجع الحريات الصحافية في ظلّ اللجوء إلى "قوانين وتشريعات غير دستورية على غرار المرسوم 54"، والتي "عمّقت الرقابة الذاتية، وبيّنت التعاطي البراغماتي للحكومات المتعاقبة مع قطاع الإعلام وإحجامها على الانخراط في مقاربة إصلاحيّة استراتيجية شاملة"، والتي أوصلت إلى "التجاهل التام للقطاع وتهميشه والتضييق على مصادر الأخبار من خلال أوامر تضييقية، وبانغلاق المسؤولين العموميين (الرسميين) على أنفسهم ورفضهم التعاون مع الصحافيين ومؤسساتهم والالتجاء غير المبرر لشبكات التواصل الاجتماعي دون غيرها".

ودعت المنظمات إلى "ضرورة الإسراع بإصلاح قطاع الإعلام العمومي ليكون قاطرة الإعلام التونسي من خلال مقاربات تشاركية وناجعة بعيداً عن الأحادية والترقيعية"، داعيةً السلطة التنفيذية إلى "الانفتاح على هياكل المهنة وتعيين مخاطب يتواصل معها من أجل بناء مقاربة تشاركية".

وحذر الموقعون من "نتائج كارثية في مستوى الابتكار المحدود في المضامين وفي السياسات التحريريّة بشكل عام"، ودعت إلى "مقاربة أساسها القيم الكونية لحرية الصحافة وحق التونسيين والتونسيات في إعلام مهني قوي يقوم بأدواره الحقيقية".

وطالبت المنظمات التسع بـ"حماية الصحافيين من سياسات التهميش والتجويع الممنهجة، وإنهاء سياسة ملاحقة الصحافيين وتخويفهم وسجنهم، والقطع مع ملاحقتهم وفق قوانين تتعارض مع جوهر المهنة الصحافية، على غرار المرسوم 54 ومجلة الاتصالات والمجلة الجزائية وقانون مكافحة الإرهاب، واعتماد المرسوم 115 آليةً وحيدةً للتتبع".

ولا يعد الموقف المعارض للمرسوم حكراً على الصحافيين، إذ تدعو معظم المنظمات الحقوقية، ومنها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي دعت أكثر من مرة على لسان رئيسها بسام الطريفي، إلى "إلغاء القانون الزجري" الذي يعتبر مكبّلاً للحريات الفردية والجماعية، وخاصةً عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وخلال الأسبوع الماضي، أصدر مرصد انتهاكات حرية الرأي والتعبير في تونس كتاب كوميكس (رسوم مصورة) بعنوان "عبر وال 54 يدبّر" باللهجة التونسية وباللغة الإنكليزية، شرحت فيه مخاطر المرسوم الرئاسي والعوائق التي يرسمها أمام حرية الصحافة والتعبير وتضارب أحكامه مع الدستور التونسي، وقدّمت طرقاً فعّالة لتجنب الوقوع تحت أحكامه الزجرية.

وأكّد نائب في البرلمان التونسي رفض ذكر اسمه في حديث مع "العربي الجديد" عن رغبة لجنة الحقوق والحريات بالبرلمان التونسي بإعداد نص قانوني يعدل الفصول الزجرية في المرسوم 54، ودعا منظمات المجتمع المدني، ومنها النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، إلى المبادرة باقتراح مشروع تعديل للمرسوم يقدم إلى البرلمان التونسي للنظر فيه.

ولفت النائب إلى أنّ السلطة التونسية قد تتفاعل مع هذه التعديلات بشكل إيجابي في ظل الضغوط التي تتعرض لها داخلياً وخارجياً، بسبب المرسوم الذي يقيّد حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير.

وبات المرسوم 54 هاجساً لدى النخبة الإعلامية والسياسية التونسية التي تعمل بكل الطرق إلى إلغائه أو تعديله، لما تسبب فيه من تجاوزات لحقوق الإنسان في تونس كانت من نتائجها محاكمة عشرات التونسيين والتونسيات. لكن التشاؤم يسود لدى أغلبية المعارضين الذين يرون أن السلطات التونسية، ممثلة برئيس الدولة، أقرّت المرسوم لمعاقبة كل من يخالفها.

المساهمون