المتاحف السودانية... قوات الدعم السريع تسرق الآثار وتبيعها

14 سبتمبر 2024
خلال وضع تماثيل أثرية عند مدخل المتحف الوطني في الخرطوم، 2008 (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تصاعد القلق حول نهب المتاحف السودانية:** شهدت الأوساط السودانية قلقاً متزايداً بعد الكشف عن سرقات لمتاحف، بما في ذلك متحف السودان القومي، مع تأكيد السلطات عرض المسروقات على الحدود مع جنوب السودان.

- **أهمية متحف السودان القومي:** يحتوي المتحف على أكثر من 150 ألف قطعة أثرية تمثل تاريخ السودان، من العصور الحجرية حتى الفترة الإسلامية، ويضم آثاراً من حضارات كوش وكرمة ومروي ونبتا.

- **جهود استعادة الآثار المسروقة:** أعلنت اللجنة الحكومية اتخاذ تدابير لحفظ واستعادة الآثار بالتعاون مع منظمات دولية مثل اليونسكو والإنتربول، وأكدت الشرطة السودانية قدرتها على استرداد المنهوبات.

يتصاعد قلق في الأوساط الشعبية والأكاديمية، عقب الكشف عن عمليات نهب وسرقة للعديد من المتاحف السودانية التي تؤرخ لحقب ما قبل الميلاد وبعده. تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي معلومات عن عمليات نهب واسعة طاولت عدداً من المتاحف السودانية بما فيها أكبرها وأعرقها، متحف السودان القومي.

وعلى الرغم من نفي عرض مقتنياته للبيع في مواقع إلكترونية، فإن السلطات أكدت حصولها على معلومات تشير إلى عرض المسروقات الأثرية على الحدود مع دولة جنوب السودان وداخل الدولة ذاتها، وأن أغلب المسروقات نُهبت من المتحف القومي، بما فيها تمثال لغردون؛ آخر من حكم السودان في حقبة الاستعمار التركي المصري (1821 - 1885)، وقد قتله جنود الإمام محمد أحمد المهدي، زعيم الثورة المهدية في آخر المعارك لتحرير البلاد من المستعمر، في 26 يناير/كانون الثاني 1885.

يحتوي متحف السودان القومي على أكثر من 150 الف قطعة أثرية، تمثّل كل الحقب التاريخية في السودان، منذ أقدم العصور الحجرية في تسلسل تاريخي حتى الفترة الإسلامية. يؤرخ المتحف الذي افتتح في مطلع القرن الماضي، وأعيد افتتاحه في عام 1971، لأقدم الحضارات السودانية، بداية من العصر الحجري القديم، كما يضم آثاراً من حضارات كوش، وكرمة، ومروي ونبتا. تتكون تلك الآثار من الأواني الفخارية والبرونزية والأدوات الحجرية والتماثيل الضخمة. يحوي المتحف كذلك مجموعة من اللوحات الجدارية التي تعود إلى الفترة المسيحية. وفي فناء المتحف، صُمّم عرض مفتوح فيه العديد من المعابد والأعمدة، كانت قد رحلت من شمال السودان ضمن حملة إنقاذ آثار النوبة، ورُكّبت في حديقة المتحف.

تؤكد مديرة إدارة المتاحف لوزارة الثقافة، غالية جار النبي، لـ"العربي الجديد"، أن متحف السودان القومي هو كل إلارث الحضاري والتاريخي لشعب السودان. وتشير إلى أن وزارتي الثقافة والإعلام تحرّكتا، ودعتا إلى اجتماع موسّع أُقيم الأسبوع الحالي، شاركت فيه أكثر الجهات والمؤسسات ارتباطاً بالموضوع، مثل وزارة الخارجية، والهيئة القومية للآثار والمتاحف، وجهاز المخابرات وشرطة الجمارك وشرطة الإنتربول، وجميعها تنضوي تحت اسم لجنة حكومية معنية بحماية وتأمين المجاميع المتحفية والمواقع الأثرية. ويرأس اللجنة وزير الثقافة والإعلام غراهام عبد القادر.

وعقب نهاية اجتماعها، أعلنت اللجنة اتخاذ كافة التدابير والإجراءات التي تحفظ الآثار السودانية وتضمن استعادتها. وأبلغ مصدر في الوزارة أن اللجنة نظرت في كافة المعلومات المتداولة بشأن نهب مليشيا الدعم السريع لمتحاف البلاد، خاصة المتحف القومي في الخرطوم، مشيراً إلى أن الدولة قادرة تماماً على استرداد كل ما نهب من آثار.

لم يكن متحف السودان وحده الذي يتعرض إلى النهب خلال الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع التي اندلعت منذ الخامس من إبريل/نيسان من عام 2023، إذ سيطرت قوات الدعم السريع على متحف نيالا في ولاية جنوب دارفور، وحولته إلى ثكنة عسكرية، علماً أن المتحف الذي افتتح في عام 2021، وأشرفت على بنائه الهيئة القومية للآثار والمتاحف. وجمع باحثون عدداً مقدراً من المقتنيات الأثرية والفلكلورية لعرضها في المتحف. كما شمل الدمار والتخريب والمتحف الحربي، ومتحف الإثنوغرافيا وسط الخرطوم.

وفي جولة لـ"العربي الجديد" داخل متحف بيت الخليفة في مدينة أم درمان، ظهر حجم الدمار والسرقة الذي طاول متحف خُصّص للتأريخ لحياة الخليفة عبد الله التعايشي، الذي حكم السودان بين عامي 1885 و1899. يقع المتحف في منطقة أم درمان القديمة، وبُني في القرن التاسع عشر، وخُصِّصَ منزلاً للخليفة عبد الله التعايشي. في عام 1929، تحوّل إلى متحف، وقد سُجّل ضمن الثراث العالمي. تضم قائمة المفقودات في بيت الخليفة كأس الشرب الخاص بالتعايشي، وأواني، ومسبحة الأمير عثمان دقنة، أحد أبرز قادة الثورة المهدية، وسيوف وبنادق قادة آخرين. كما تبعثرت المخطوطات والخطابات المتبادلة مع الخليفة.

وفي مدينة الفاشر الواقعة تحت الحصار منذ العاشر من مايو/أيار الماضي، حيث تدور أعنف المعارك، تعرّض متحف السلطان علي دينار إلى قصف الدعم السريع لأكثر من مرة، وفقاً لما يقوله رئيس المجلس الأعلى للثقافة والإعلام في ولاية شمال دارفور، خالد أبو ورقة، الذي يشير في حديثه إلى "العربي الجديد" إلى أن القصف أحدث ضرراً في بعض أجزاء المتحف غير الأساسية، ووضّح أن الآثار محفوظة حتى الآن، بفضل جهود وترتيبات مسبقة قام بها مجلسه، منبهاً إلى أن مباني المتحف تبقى في خطر شديد، ويمكن أن تتعرّض إلى الدمار الشامل في ظل القصف المستمر للقصر ومحيطه.

بدورها، تقول غالية جار النبي إنهم تواصلوا مع كل المنظمات المعنية بحفظ التراث العالمي، مثل منظمة يونسكو، والإنتربول، ووحدة تتبع الآثار المسروقة في المتحف البريطاني ومتحف اللوفر، وطلبوا من تلك المؤسسات المساعدة في حماية واسترداد الآثار السودانية. أوضحت جار النبي أنهم اكتشفوا مبكراً سرقة المتحف القومي، لكن آثروا الكتمان والسرية حتى لا يتمكن اللصوص من إخفائها بعد ذلك، مشيرة إلى أن اللصوص يخشون الملاحقة إن أُعلن عن ذلك في وسائل الإعلام، وممكن أن يدمروا هذه الآثار، موضّحةً أن أول شخص بلغ عن السرقة فضّل عدم ذكر اسمه، وأرسل بعض الصور للآثار المعروضة للبيع على الحدود بين السودان وجنوب السودان، ومنها أخرى داخل جنوب السودان، مؤكّدةً أن كل ما أرسله عبارة عن آثار مسروقة من داخل مخزن المتحف القومي، ولا يستطيعون تحديد ما إذا كان المخزن قد سُرق كاملاً أم لا. وأوضحت أن صالة العرض أُفرغت قبل الحرب من المقتنيات الأثرية لظروف الصيانة وُوضعت داخل مخزن، وأكدت ثقتها في السلطات الأمنية السودانية لاستعادة المنهوبات.

هذا ما يؤكده أيضاً الناطق الرسمي باسم الشرطة السودانية، فتح الرحمن التوم، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إذ أشار إلى قدرة الشرطة وكل الأجهزة الأمنية على استرداد أي منهوبات، بما لديها من خبرة طويلة تمتد لقرن كامل، موضّحاً أن ذلك ممكن الآن بالتنسيق مع المنظمات الدولية، مثل الإنتربول والمنظمات الإقليمية، مشيراً إلى أن المعلومات حول سرقة وبيع المنهوبات الأثرية غير متوفرة بوضوح، لا سيما وأن منطقة متحف السودان القومي لا تزال واقعة تحت سيطرة مليشيا الدعم السريع.

المساهمون