العدوان على غزة يقسم غرف الأخبار في العالم

05 يناير 2024
متظاهرون في واشنطن يطالبون بوقف إطلاق للنار في غزة (Getty)
+ الخط -

لا يشبه العدوان على قطاع غزة أي حرب أو صراع في العقود القليلة الأخيرة، وذلك لأسباب كثيرة مرتبطة بوحشية الاحتلال، وبالبث المباشر للعدوان عبر مواقع التواصل، وغيرها من التفاصيل.

لكن أيضاً تعيش المؤسسات الإعلامية الغربية منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول حالة من الانقسام لم تعرفها في أي تغطية مفصلية حديثة. فمع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، أو بعد مقتل جورج فلويد والتظاهرات التي رافقتها، بدت غرف الأخبار الغربية متفقة بشكل أساسي حول الخطوط العريضة والخط السياسي للتغطية، لكن الحال اختلف مع العدوان على غزة.

تشير مجلة "كولومبيا جورناليزم ريفيو" إلى أن الصحافة الدولية تعرّضت لانتقادات لاذعة بسبب انحيازها للاحتلال على حساب معاناة الفلسطينيين، ورفض تسمية ما يجري بالإبادة الجماعية والتطهير العرقي. ورصدت المجلة أوجه التشابه والاختلاف بين وضع الإعلام أثناء الحرب على غزة وحراك "حياة السود مهمة" في الولايات المتحدة، حيث سُمح بنقاش مفتوح حول السياسات في حالة "حياة السود مهمة" عكس حالة العدوان على غزة.

هكذا وجدت غرف الأخبار نفسها أمام سؤال عن الموضوعية، بين الظهور بمظهر المحايد أمام القارئ ونقل الحقيقة كما هي بالاستناد إلى الأدلة الموضوعية. فخلال حراك "حياة السود مهمة" أو خلال الحرب على أوكرانيا، لم يطرح الصحافيون الكثير من الأسئلة حول الطرف الذي يجب أن ينحازوا من أجله، بل تمحورت أغلب النقاشات حول أساليب تظهير هذا الموقف المنحاز لأصحاب البشرة السوداء في الحالة الأولى، ولأوكرانيا في الحالة الثانية، من دون المساس بقيم الصحافة وأعرافها التقليدية.

لكن الحال تغيّر بشكل واضح خلال العدوان المتواصل على غزة. على سبيل المثال، مُنع صحافيو "لوس أنجليس تايمز"، الذين وقّعوا على رسائل مفتوحة تنتقد كيفية تغطية وسائل الإعلام الأميركية للحرب ويحتجون على مقتل الصحافيين على يد الاحتلال الإسرائيلي، من تغطية الحرب لمدة ثلاثة أشهر.

كما أصدرت مؤسسة "هيرست" الإعلامية سياسة تحظر على موظفيها نشر المشاركات "المثيرة للجدل"، بما فيها على حساباتهم الشخصية، وتوصيهم بمراقبة بعضهم بعضاً وإبلاغ الإدارة عن "الهفوات" التي يرتكبها البعض. يقول الصحافيون العرب إنهم تحملوا وطأة ازدواجية المعايير هذه.

تنقل المجلة عن الصحافية المصرية المستقلة المقيمة في نيويورك وتكتب لـ"بروباليكا" و"واشنطن بوست" و"رويترز"، ليلى حسن، أن غرف الأخبار تشير إلى أن سمعتها يمكن أن تتعرض للخطر عندما يستخدم أفرادها كلمات معينة أو يذهبون إلى الاحتجاجات، وهذا "أمر مؤلم للغاية". وتشير حسن إلى أن الصحافيين العرب غالباً ما يُقدَّرون لكفاءتهم في اللغة العربية، لكن مع التشكيك في موضوعيتهم ومصداقيتهم بسبب خلفيتهم.

وفي الوقت نفسه، يتعرض هؤلاء الصحافيون للهجوم من مصادرهم في العالم العربي، لأنهم يعملون لدى وسائل الإعلام الغربية المنحازة ضد قضايا العرب: "بعض المصادر لن تتحدث معي إذا ظنت أنني أعمل مع صحيفة نيويورك تايمز"، تقول حسن. وتضيف: "لا يُسمح لك حتى بمساحة للحزن، أو مساحة للتجربة أو الشعور. ولا أحد من حولك يعترف بأن شعبك يُقتل بشكل جماعي".

ونشرت حسن على "إكس" منشورات تحتوي على مصطلحات تتجنبها معظم وسائل الإعلام الأميركية، مثل "الإبادة الجماعية" و"التطهير العرقي". لكنها تدرك جيداً أنها تتمتع بامتياز لا يتمتع به صحافيون آخرون، بسبب طلاقتها في اللغة العربية، ومصادرها في غزة، وخبرتها في العمل مع منظمات حقوق الإنسان في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وهو ما يتيح لها رفع سقف تصريحاتها ومواقفها.

خلال الأسابيع الأولى من بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، وقّع رئيس تحرير مجلة "آرتفوروم" ديفيد فيلاسكو ونشر رسالة مفتوحة على موقع المجلة تدعو إلى وقف إطلاق النار. بعد أسبوع من نشرها، طُرد فيلاسكو من قبل المالكة الجديدة للمجلة، شركة "بينسكي ميديا كوربوريشن"، التي استحوذت على "آرتفوروم" في ديسمبر/ كانون الأول 2022. احتجاجاً على الإقالة، استقال محرّرون عدة من المجلة.

نقلت "كولومبيا جورناليزم ريفيو" عن فيلاسكو قوله: "لم أكن يوماً جاهزاً لهذا النمط من التعامل"، مشيراً إلى أن العدوان على غزة "سبب الانقسام بين المجتمعات التي ربما كان لديها بعض القواسم المشتركة في السابق". ويعتقد أن رؤساءه تعرضوا لضغوط من المعلنين: "كثيرون كانوا غاضبين. أعتقد أن بعض الناس طالبوا بالعقاب. ربما أراد بعض الناس مجرد اعتذار".

المساهمون