- الاحتلال الإسرائيلي عطل شبكات الاتصال أكثر من 10 مرات، معيقًا قدرة الإعلام على نقل الأحداث، في حين تجاوزت الاعتداءات على الصحافيين ما سُجل في حروب تاريخية كبرى.
- رغم الأدلة الواضحة على استهداف الصحافيين، لم تُحاكم إسرائيل أو تُدن لقتلها الصحافيين، بينما دعت منظمات دولية مثل مراسلون بلا حدود إلى محاسبتها، مشيرة إلى دمار الصحافة الفلسطينية وإفلات الاحتلال من العقاب.
مع اقتراب حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة من دخول شهرها السابع، مخلفة عشرات آلاف الشهداء والجرحى، يعيش الصحافيون الفلسطينيون في غزة واقعاً هو الأشد والأصعب مقارنة بالحروب السابقة. فمنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استشهد 140 صحافياً وعاملاً في المجال الإعلامي، عدا عن إصابة العشرات بجراح نتيجة لعمليات الاستهداف والقصف العشوائي الذي طاول مختلف مناطق القطاع. وقد أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الأربعاء، عن استشهاد كل من الصحافيين محمد السيد أبو سخيل، وهو مذيع ومحرر في إذاعة صوت القدس، وطارق السيد أبو سخيل، وهو محرر رقمي في الإذاعة نفسها، وذلك "خلال جريمة اقتحام مجمع مستشفى الشفاء الطبي". وفي حين لم يوضح المكتب الإعلامي ما إذا كان محمد وطارق شقيقين أم لا، لكنه أفاد بأنه بمقتلهما ارتفع "عدد الشهداء الصحافيين إلى 140 صحافياً منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة". والاثنين، أفاد المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة بأن الجيش الإسرائيلي قتل واعتقل 700 فلسطيني في مجمع الشفاء الطبي ومحيطه على مدار أسبوعين من توغله.
ولا تتوقف عمليات الاستهداف الإسرائيلي للصحافيين على قصفهم خلال تواجدهم في أماكن عملهم، علماً أن قوات الاحتلال دمرت، كلياً أو جزئياً، 80 مقراً لمؤسسات إعلامية محلية ودولية في غزة منذ السابع من أكتوبر، وفقاً لنقابة الصحافيين الفلسطينيين، بل يتطور الأمر لاستهدافهم وهم يغطون الجرائم على الأرض، رغم ارتدائهم الخوذات والسترات التي تبين بوضوح طبيعة عملهم. وإلى جانب ذلك، فإن العديد منهم قضى رفقة عائلاته جراء القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي للمنازل خلال العدوان المتواصل، إلى جانب اعتقال نحو 12 منهم طوال الفترة الماضية. ولا يزال مصير الصحافيين نضال الوحيدي وهيثم عبد الواحد مجهولاً، إذ فقد الاتصال بهما خلال تصويرهما لعملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، وحتى الساعة لم يعلن الاحتلال أي معلومة عنهما. وفي الأيام الأخيرة مع اجتياح مستشفى الشفاء، ألقى الاحتلال القبض على عدد من الصحافيين، بينهم المتعاون مع التلفزيون العربي محمد عرب، ومجموعة غير محددة من المراسلين والمصورين، ولم يعلن حتى الساعة مكان اعتقالهم.
وبسبب استهداف مقرات المؤسسات الإعلامية، تحولت المستشفيات والعيادات الحكومية إلى مقرات للصحافيين، وسط صعوبة بالغة في توفير شبكات الإنترنت والاتصالات والتيار الكهربائي جراء التدمير الذي حل بالبنية التحتية. فخلال العدوان المتواصل، عطّل الاحتلال الإسرائيلي شبكات الاتصالات لما يزيد عن 10 مرات، شل فيها قدرة وسائل الإعلام على نقل مختلف الأحداث، فيما تحولت الكثير من المنافذ الإخبارية للاعتماد على تقنيات أقل جودة لمواصلة العمل ونقل الصورة.
ويفوق عدد الصحافيين الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية في قطاع غزة خلال أول شهرين من العدوان عدد الصحافيين الذين قتلوا في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وحرب فيتنام (1955-1975) والحرب الكورية (1950-1953). ووفقاً لمؤسسة منتدى الحرية، مقرها واشنطن وتدافع عن حرية الصحافة، فقد 69 صحافياً حياتهم خلال 6 سنوات خلال الحرب العالمية الثانية التي أودت بحياة عشرات الملايين من البشر والمعروفة بأنها الحرب الأكثر دموية التي شهدها العالم الحديث.
وتحدث مراسل التلفزيون العربي في غزة، باسل خلف، عن تجربته في التغطية الصحافية لا سيما بعد الاستهداف الذي طاول خياماً للصحافيين في مستشفى شهداء الأقصى، وسط القطاع، حيث كان متواجداً، في 31 مارس/آذار الماضي، والذي أدى لإصابة 4 منهم. وقال خلف، لـ"العربي الجديد"، إن الصحافيين والأطباء والكوادر المدنية "يفترض أنهم محميون وفقاً للقانون الدولي، غير أن ما حدث مع الصحافيين هو استهداف متعمد... استهدفت قوات الاحتلال خيمة للنازحين ملاصقة لخيام نحو 60 صحافياً يعملون من داخل المستشفى". وأشار إلى أن عمليات الاستهداف الإسرائيلي للصحافيين تؤثر على عملية النقل بالرغم من أن الجميع يعود لنقل الرسالة من جديد، غير أن الصحافي الفلسطيني بات يشعر أن "الحبل يشتد على الرقبة". وتابع: "دولة الاحتلال الإسرائيلي ترى نفسها فوق القانون وفوق الحساب، وطالما أنه لا توجد حماية للصحافيين أو تدخل لملاحقة الاحتلال، سيبقى عداد الشهداء والجرحى من الصحافيين في تصاعد".
المصور الصحافي محمد أبو دحروج هو أحد الصحافيين الذين أصيبوا أخيراً جراء القصف الإسرائيلي، خلال عمله على التغطية الصحافية للأحداث داخل مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة. وقال أبو دحروج، لـ"العربي الجديد"، إنه كان يمارس عمله المعتاد قبل أن يقصف الاحتلال المكان ليتعرض لإصابة مع عدد من زملائه. ووصف ظروف عمل الصحافيين الفلسطينيين في غزة بـ"الصعبة والقاسية في ظل تعمد الاحتلال الإسرائيلي استهداف الصحافيين بشكل متكرر".
من جانبه، قال نائب رئيس نقيب الصحافيين الفلسطينيين، تحسين الأسطل، إن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد استهداف الصحافيين الفلسطينيين، وهو ما أوقع هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى في صفوفهم، عدا عن اعتقال آخرين منذ بداية الحرب. وأضاف الأسطل، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن المطلوب حالياً تدخل واضح من جميع المؤسسات الدولية والحقوقية للضغط على الاحتلال لوقف جرائمه بحق الصحافيين والتي أدت حتى الآن الى استشهاد أكثر من 130 صحافياً وصحافية وإصابة واعتقال العشرات وتدمير مقرات المؤسسات الإعلامية. وأشار إلى أن النقابة ستمضي في مسار ملاحقة الاحتلال ورفع قضايا عليه في كل المحافل الدولية من أجل محاولة انتزاع حقوق الصحافيين والصحافيات الذين تعرضوا للقتل بدم بارد خلال الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ السابع من أكتوبر.
تجدر الإشارة إلى أن أحداً لم يحاكم بتهم قتل الصحافيين الفلسطينيين، منذ النكبة حتى اليوم. ولم تُدن إسرائيل حتى هذه اللحظة لقتلها أي صحافي فلسطيني أو عربي، رغم وجود أدلة دامغة واعترافات واضحة من جنودها باستهداف صحافيين. ففي مايو/ أيار 2023 نشرت لجنة حماية الصحافيين تقريراً عنوانه "نمط فتاك: 20 صحافياً قتلوا بنيران القوات الإسرائيلية خلال 22 سنة من دون أن يُحاسب أحد"، انطلقت فيه من جريمة قتل مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، لتوثّق مسؤولية جيش الاحتلال عن مقتل 20 صحافياً على الأقل منذ عام 2001، ووجدت "نمطاً في الاستجابة الإسرائيلية يبدو مصمماً للتملص من المسؤولية". وأشارت إلى أنّ التحقيقات في مقتل الصحافيين على يد الجيش الإسرائيلي تتبع تسلسلاً روتينياً، يتضمن تجاهل المسؤولين الإسرائيليين للأدلة وللشهود، وظهورهم خلال التحقيقات لتبرئة الجنود من عمليات القتل، فضلاً عن أنّ هذه التحقيقات تستغرق سنواتٍ، ولا تعرض نتائجها أبداً أمام الرأي العام، إذ يحرص الاحتلال على إبقائها سرية.
أما منظمة مراسلون بلا حدود، فأصدرت مطلع العام الجديد بياناً قالت فيه إن "الصحافيين في غزة يتعرضون للقتل مع مرور أيام هذه الحرب التي لا نهاية لها، بالضربات الإسرائيلية المتواصلة من شمال قطاع غزة إلى جنوبه. ويعيش الصحافيون الذين نجوا من هذه الأشهر الأربعة جحيماً يومياً، في ظروف غير إنسانية، يعانون فيها نقصاً في كل شيء، خاصة في المعدات، فضلاً عن معاناتهم من التعتيم الإعلامي المنتظم"، في إشارة إلى استهداف قوات الاحتلال المتكرر لشبكات الاتصالات والإنترنت. وخلصت المنظمة إلى أن القوات الإسرائيلية "دمرت، الصحافة الفلسطينية، وأفلتت تماماً من العقاب".