الصحافيات التونسيات... كل أنواع التمييز مباحة

06 سبتمبر 2023
تحمل 997 امرأة بطاقة مزاولة المهنة (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

أعاد موضوع طرد صحافيات تونسيات من قناة "الحوار التونسي" الخاصة نهاية الأسبوع الماضي، لأسباب مرتبطة بإجازاتهن في أثناء الحمل والولادة، فتح ملف التمييز الجندري ضد الصحافيات، سواء من خلال الطرد أو التضييق أو التهديد.

دراسة النقابة

في يوم المرأة العالمي في 8 مارس/ آذار 2023، أعدت الاختصاصية في علم الاجتماع والإعلام فتحية السعيدي دراسة عن حضور وصورة المرأة في وسائل الإعلام التونسية بطلب من النقابة الوطنية للصحافيين. وكشفت الأرقام الموجودة في الدراسة أن:

  •  عدد الصحافيات يتجاوز عدد الصحافيين في البلاد، إذ تحمل 997 امرأة بطاقة مزاولة المهنة، بينما يحملها 864 رجلاً. 
  •  مقابل هذه الأرقام، تشغل الصحافيات 15 في المائة فقط من المناصب القيادية في وسائل الإعلام المحلية، ليتبوأ الرجال 85 في المائة من هذه المراكز.
  •  صورة المرأة في وسائل الإعلام التونسية بقيت نمطية، وقابلة للاستغلال.
  •  غابت النساء بشكل شبه تام عن البرامج الحوارية في وسائل الإعلام السمعية البصرية خصوصاً القنوات التلفزيونية.

وأوصت الدراسة بالعمل على بلورة ميثاق وطني لتحسين صورة المرأة في وسائل الإعلام بالتعاون مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا)، ومجلس الصحافة، والمؤسسات الإعلامية والصحافيين والشركاء الدوليين واعتماده كوثيقة توجيهية من قبل العاملين والعاملات في القطاع، خصوصاً صناع المحتوى بمختلف أصنافه.

الاعتداءات في الميدان

ما خلصت إليه الدراسة أعلاه، جاء ليؤكّد المعلوم بالنسبة إلى أغلب العاملات في المؤسسات الإعلامية التونسية. ولعلّ أكثر أشكال التمييز ضدهن وضوحاً، الاعتداءات التي يتعرّضن لها في الميدان في أثناء عملهن. إذ تكررت في السنوات الأخيرة حوادث التعرّض للمراسلات في مواقع العمل أو في أثناء تغطية نشاطات عامة. ما سبق أكدته لـ"العربي الجديد" المسؤولة عن مرصد السلامة المهنية في النقابة الوطنية للصحافيين خولة شبح، التي أشارت إلى أن تقرير 2022 حول الاعتداء على الصحافيين رصد "تعرض 88 صحافية تونسية لـ 98 اعتداءً سنة 2022، منها 67 اعتداءً كانت اعتداءات فردية على صحافيات بمفردهن، أي لم يكنّ ضمن مجموعة في أثناء القيام بعملهن، وهو أمر خطير يترجم الوضعية الصعبة التى تعيشها الصحافية في بلادنا".
شبح أضافت أن "الاعتداءات تنوعت: 22 حالة منع من العمل، و20 حالة مضايقة، و7 حالات تحريض، و10 حالات اعتداء جسدي، و8 حالات اعتداء لفظي، و7 حالات حجب معلومات، و6 حالات تهديد، و5 حالات تتبع عدلي، و3 حالات رقابة مسبقة وحالتي احتجاز".
لكن هذه الاعتداءات الواضحة تخفي في أحيان كثيرة مضايقات في الميدان ومكان العمل، ترفض المراسلات الكشف عنها، لأسباب اجتماعية وثقافية مختلفة أو خوفاً من الطرد التعسفي. وتقول صحافية تونسية (رفضت الكشف عن اسمها) لـ"العربي الجديد" إنها تعرضت "للتحرش الجنسي من قبل زملاء في العمل، ورغم أن القانون التونسي يعاقب المتحرشين جنسياً، لكن عملية إثبات حالة التحرش تكاد تكون مستحيلة. كذلك أخاف من ردود فعل المجتمع والزملاء إن تحدّثت عمّا تعرضت له، لذلك أفضل ممارسة الزجر الفردي للمعتدي من دون اللجوء إلى الملاحقة القانونية". 
عن هذه الاعتداءات ذكرت نائبة نقيب الصحافيين أميرة محمد لـ"العربي الجديد" أن "الصحافية التونسية تتعرض للهجمات والاعتداءات من كل الأطراف، فقد وصل الأمر إلى إهدار دم إحدى الزميلات من قبل نقابة أمنية في محافظة صفاقس، وهو أمر خطير جداً. كذلك تعرضت زميلة للتهديد بالاعتداء على ابنها، وهو أمر يجعل النساء ضحايا لمختلف أنواع الخوف وغياب الأمان، ما يمنعهن من القيام بعملهن بالشكل الصحيح أو الذي يرغبن فيه".

الاعتداءات على الشبكة

النوع الأبرز من الاعتداءات على الصحافيات التونسيات يحصل في الفضاء الرقمي. "هذا النوع من التضييق متواتر بشكل كبير على النساء، وهو ما يعكس نظرة دونية للمرأة رغم ترسانة القوانين التحريرية التى سنّها المشرّع التونسي. ويكفي في هذا المجال أن نلاحظ ردود الفعل على مواقع التواصل حول أي تعليق سياسي تقوم به زميلة صحافية في برنامج تلفزيوني أو إذاعي، حيث تتعرض لحملة من الهجمات والتنمر. في مقابل ذلك، نرى أن الرأي نفسه لو قدمه زميل صحافي لمرّ من دون ردود فعل تذكر"، تقول أميرة محمد.
وعن سُبل مواجهة هذه الاعتداءات على النساء الصحافيات، قال عضو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) هشام السنوسي لـ"العربي الجديد" إنه "لا توجد في كراس شروط تأسيس محطات إذاعية أو قنوات تلفزيونية فصول قانونية حول الاعتداءات على العاملين في هذه المؤسسات، فقاضي الشغل أو العرف هو من يتولى الفصل في مثل هذه القضايا أو محاكم أخرى وفقاً لطبيعة الجريمة".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

في مقابل ذلك، ترى أميرة محمد أن "السلطات التونسية مطالبة بحماية الصحافيات والصحافيين عموماً في أثناء أداء عملهم، كذلك فإن الهياكل المهنية، ومنها النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، ستظل واقفة جبهة ردع، ضد كل الاعتداءات مهما كان شكلها وستدينها وتسخر فريقها القانوني للدفاع عن كل الزميلات اللواتي تعرضن لأي شكل من أشكال العنف".
وترى المدونة والناشطة النسوية والصحافية هناء الطرابلسي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "الدفاع عن حقوق النساء الصحافيات وحقوق النساء عموماً من واجب كل مواطن، ووقف الاعتداء عليهن ليس مطلب رفاهة، بل هو حق أصيل وجب على كل الأطراف من سلطة ومجتمع التزامه واحترامه، ووجب علينا كمجتمع مدني رسم استراتيجية واضحة الملامح على المستويين القصير والمتوسط، لوضع حد لمثل هذه الاعتداءات".
 

المساهمون