الزربية المغربيّة... نساءٌ نقلن التراث إلى العالمية

01 نوفمبر 2021
تُعدّ الزربية هويّة بصريّة عربيّة، قبل أنْ تكون تراثاً مغربيّاً (فيسبوك)
+ الخط -

تُعدّ الزربية المغربيّة هويّة بصريّة عربيّة، قبل أنْ تكون تراثاً مغربيّاً. فحجم التوثيق البصريّ المُتضمّن داخلها يجعل تاريخها الفنّي حاضراً لا ينضب. رغم ما أصاب صنائعها التقليدية من عطبٍ في زمن كورونا. حيث تحوّلت نساءٌ مغربيّات إلى عاطلات عن العمل، بعد توقّف وصول المنتجات اليدوية. ما جعل قطاع الصناعة التقليدية يشهد تراجعاً قوياً في الآونة الأخيرة. لكن رغم ذلك استمرّت نساءٌ كثيرات في مواجهة يوميّات القهر داخل مناطق هامشية من داخل مغربٍ منسيّ. لقد عُرفت الزربية بكونها فنّاً يدوياً عريقاً تأسّس داخل مدنٍ بعيدة، حيث عُرفت به نساء البادية والجبل وببراعتهن في نسج زربية غالباً ما لا تخرج عن المُحيط البصريّ الغنيّ بألوان الطبيعة. ما جعل الزرابي المغربيّة، تتميّز باختلاف صناعتها وألوانها وأحجامها ومعينها البصريّ الذي تنهل منه. ليس للزربية المغربيّة تاريخٌ رسميّ، لكنّها مع ذلك تُعرف في كونها من الفنون اليدويّة العريقة الضاربة في عمق الحضارة المغربيّة. فطريقة مُمارستها ونسجها وعلاماتها البصريّة تُؤكّد أنّها فنّ اشتهرت به القبائل الأمازيغية. لكن ما زاد هذه الزرابي ذيوعاً وجمالاً، أنّ كلّ نوعٍ منها غدا يُنسب إلى منطقة أسهمت في صناعتها، ما جعلها تشهد تحوّلاً كبيراً على مستوى موادها وصناعتها.

ففي كل منطقة جبلية يبزغ نوع جديد، لا على مستوى الألوان وزخمها، ولكن اتّصالاً بصناعتها وموادها وأبعادها الأنثروبولوجيّة، بل إنّنا نعثر على ممارستها داخل بعض القبائل في اتّخاذها بُعداً مُقدّساً. حيث تكون المرأة على وضوء لتدخل بيت الصنعة، فهي بالنسبة لها مكان مُبارك، تلتقي فيه أهواء الروح بروحانيات العمل. وغالباً ما يُرافق نسيج الزربية غناء شجيّ ونبرة حزينة، تعكس تلك الوحدة القاسية التي تمرّ بها المرأة المغربيّة في مناطق منسيّة. ورغم أنّ إعداد وإنتاج هذه الزرابي تأخذ وقتاً طويلاً. فإنّها مع ذلك لا تُدرّ أرباحاً مُهمّة على المرأة لشراء الخيوط والمواد والأصباغ. لكن في السنوات الأخيرة، برزت تعاضديات وجمعيات تعمل على تقديم يد العون لصنّاع الزربية عن طريق تشغيلهنّ ودعمهنّ، لكنّ ذلك يبقَى هشّاً وحكراً على مناطق حضريّة دون الأخرى. مع أنّ المُستفيد الأكبر من هذه العملية هو الشركات الكبرى. والتي تدخل في عملية بيعٍ وشراء هذه الزرابي على نطاق وطني وعربيّ بأموالٍ باهظة، دون أنْ تستفيد تلك النساء من عائدات أتعابهنّ ولا حتّى يشتهرن بهذه الزرابي التي تُذهل البصر وتمنح للعين ابتهاجاً لا مثيل له.

الزربية تضمر في طيّاتها خطاباً تاريخياً يتعلّق بالهويّة المغربيّة

استفاد الكثير من الفنانين المَغاربة من هذا التأثير البصريّ، الذي تتركه نساء الزرابي في نفوسهم. حيث غاصت تجارب كثيرة في عوالم الزربية، مُستعملة معمارها وألوانها وطريقة حياكتها في نسج لوحةٍ فنيّة ذات خطاب بصريّ قويّ. فالزربية المغربيّة تتجاوز كونها مجرّد فراش أو ألوان أو أكسسوارات للزينة والمُتعة. لأنّها تُضمر في طيّاتها خطاباً تاريخياً يتعلّق بالهويّة المغربيّة. لذلك لا تتردّد الجهات الرسميّة في ترداد موال "الهويّة" في حديثها عن الزربية، بوصفها تُقدّم صورة مائزة للحضارة المغربيّة. لكنّ حين يتعلّق الأمر بالمال والأرباح، فإنّ هذه الجهات لا تتردّد في تقديم يد العون للشركات للمُتاجرة في هذا التاريخ الفنّي والاستثمار فيه، دون التفكير في نساء صنعن وجوده الأيقونيّ في مُخيّلة القطاع السياحيّ. 

فتح المجال للاستثمار في هذا التراث الفنّي جعل جمعيات كثيرة تسترزق منه، لا كمُحاولة تقزيم الهوّة بين المراكز والهوامش وضخ دماءٍ جديدة في صناعة هذه الزرابي ومنح النساء حقوقهنّ من أجورٍ مُحترمة. بل إنّ زائر هذه المناطق يعثر على صيغة تعاونٍ بين هذه الجمعيات والشركات في إطار تعاقداتٍ وهمية، حيث تُصبح جمعيات أشبه بفروع مُتنقّلة لهذه الشركات المُتوحّشة. والأكثر من ذلك، ثمّة شركات هبت إلى أبعد من ذلك، حيث قامت بصناعة ماكينات هدفُها صناعة هذه الزرابي بعد الطلب الهائل والهستيري الذي أضحت تتلقاه من لدن زبائن ومحلاّت خاصّة في فصل الشتاء.

بينما تغتني هذه الشركات والمقاولات والجمعيات الوطنية من الزرابي المغربيّة، تموت نساء كثيرات من البرد والجوع والوحدة والغربة وقلّة الطلب وفرص العمل. فيبقى هاجس هذه الشركات، هو إنتاج الأرباح وتكريس عزلة النساء وصانعات الزربية داخل المغرب. أليس جديراً إقامة مهرجاناتٍ خاصّة بنساء الزربية والاحتفاء بصنائعهنّ داخل ملتقيات ومعارض عربيّة ودولية؟ ثمّ لماذا تتحوّل هذه النساء المغربيّات إلى مجهولات داخل عالم الصناعة التقليدية، رغم الألم الذي ينخر أجسادهنّ داخل مناطق قصيّة، قد لا تصل إليها حتّى ضروريات الحياة اليوميّة؟ في حين أنّ شركات رأسمالية مُتوحّشة، تستفيد من هذه الزرابي وتُعرّف بها، على أساس أنّها ذات إنتاجٍ خاصّ.

المساهمون