قبل عام، بدت آفاق صناعة التكنولوجيا قاتمة. انخفضت أرباح "غوغل"، وتراجعت أسهم "ميتا"، وتباطأ نمو الأعمال في "أمازون" إلى مستواه الأدنى منذ عقدين. ولكن الربع الأخير من العام الحالي شكّل مفاجأة بالنسبة لأكبر شركات التكنولوجيا، إذ انتعشت الأنشطة التجارية الإعلانية لشركتي ميتا وغوغل، واستمرت أعمال الحوسبة السحابية لـ"مايكروسوفت" في التوسع، وكذلك فعلت التجارة الإلكترونية في "أمازون".
وكشف الركود عن نقطة ضعف تواجهها أكبر شركات التكنولوجيا: لا ابتكار لفكرة جديدة كبيرة منذ سنوات.
على الرغم من ضخ الأموال في مشاريع السيارات ذاتية القيادة وأجهزة "ميتافيرس" والحواسيب الكمية، فإن شركات لا تزال تعتمد على مبيعات الإعلانات الرقمية وأجهزة آيفون والحوسبة السحابية. وتأمل الشركات الآن في أن يكون الذكاء الاصطناعي هو الحل، ووسيلة لتحديث خطوط الإنتاج القديمة التي لم تتغير كثيراً في السنوات الأخيرة.
في هذا الوقت، فرضت الولايات المتّحدة حظراً على الاستثمارات الخارجية للشركات الأميركية في مجالات التكنولوجيا المتقدّمة، وخصوصاً الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمّية، في "بلدان إشكالية" في مقدّمها الصين، وفق ما أعلنت وزارة الخزانة الأربعاء في بيان. والقرار المنبثق من مرسوم أصدره الرئيس جو بايدن، يفترض أن يتيح "الدفاع عن الأمن القومي الأميركي من خلال حماية التقنيات الحساسة للجيل الجديد من الابتكارات العسكرية"، وفق الوزارة التي شدّدت من جهة أخرى على الطابع "المحدود للغاية" للمرسوم حرصاً على "تمسّكنا بالاستثمارات الخارجية" للشركات الأميركية.
عملياً تفرض القواعد الجديدة على الشركات الأميركية والأفراد الأميركيين إبلاغ الإدارة بتعاملات معيّنة، فيما تحظر بشكل صريح تعاملات أخرى متى شملت "كيانات على صلة بالتقنيات المتقدمة المشار إليها في المرسوم". وأوضح مسؤول في الإدارة الأميركية أن "الصين تسعى إلى حيازة وإنتاج تقنيات أساسية يمكن أن تساعد في تحديث جيشها"، وأضاف أن هذا المرسوم "يرمي تحديداً إلى الحد من الاستثمارات الأميركية في الشركات الضالعة في هذا الجهد".
وتخشى إدارة بايدن استفادة الصين من الاستثمارات الأميركية، ليس فقط على مستوى نقل التقنيات، وإنما أيضاً عبر "فوائد غير ملموسة"، على غرار المرافقة في إنشاء خطوط الإنتاج وتبادل المعارف والوصول إلى الأسواق.
وقال المصدر إنه "في آخر قمة لمجموعة السبع، شدّد القادة على مصلحتنا المشتركة في توفير الحماية المناسبة للتقنيات الحساسة ذات التداعيات على الأمن القومي، وفي ضبط الاستثمارات على هذا الصعيد".
وقال الباحث في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي نيكولاس لاردي، رداً على سؤال لوكالة فرانس برس: "إنها خطوة كبيرة للأمام، لأن الأمر لا يقتصر على فرض قيود على الصادرات، بل يطاول أيضا رؤوس الأموال، وهو أمر لم يحدث سابقاً". لكنه حذّر من أن سعي الولايات المتحدة منفردة "لقطع التمويل المتأتي من صناديق استثمارية خاصة أو من رأس المال المجازف" قد يؤدي في نهاية المطاف إلى أثر محدود.
لكن إيميلي بينسون، وهي مديرة مشروع حول التجارة والتقنيات في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، اعتبرت، في حديثها لـ"فرانس برس"، أن حجم التعاملات المشمولة بهذا الحظر وقيمتها الإجمالية قد يكون في نهاية المطاف محدوداً جداً، لكنّها أشارت إلى أن التأثير الحقيقي لهذا القرار يمكن أن يكون أكبر. وقالت لـ"فرانس برس": "قد تعمد شركات، وإن كانت غير مستهدفة مباشرة بهذه القيود، للتفكير مرّتين في نوع الاستثمارات التي تجريها، وهو ما يمكن أن يقلّص الاستثمارات الثنائية في المدى الطويل".
ويشكل القرار الجديد خطوة إضافية على مسار منع الصين من تقليص الفجوة التكنولوجية القائمة حالياً بين القوتين العظميين.
مليارات لتطوير الذكاء الاصطناعي
لدى هذه الشركات خطط لاستثمار المليارات في الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهي التقنية التي لفت نظام المحادثة الآلي "تشات جي بي تي" الأنظار إليها خلال الأشهر الأخيرة. وبينما لا يزال كسب المال من منتجات الذكاء الاصطناعي بعيد المنال، أتاحت هذه التكنولوجيا للشركات العودة إلى ساحات التجربة.
وفي حديث إلى المستثمرين الخميس الماضي، قال الرئيس التنفيذي لـ"أمازون"، آندي جاسي، إن العمل على الذكاء الاصطناعي التوليدي لا يزال في مراحله الأولى، ولكن "أعتقد أنه سيكون تحويلياً، وأعتقد أنه سيغير تقريباً تجربة كل عميل نعرفه". وأدلى الرئيس التنفيذي لشركة آبل، تيم كوك، بتصريحات مماثلة الخميس الماضي. وخلال حديث مع المحللين، أكدت "غوغل" و"ميتا" و"مايكروسوفت" أيضاً أنها ستزيد استثماراتها في مجال الذكاء الاصطناعي.
قطاع واعد
بالنسبة للمراقبين، مثل خبير الرقائق ستيسي راسغون، فإن الزيادة في الإنفاق لدعم تطوير الذكاء الاصطناعي يذكرنا بالاستثمارات في الخوادم في أواخر التسعينيات، ومراكز البيانات في 2010. ومن المتوقع أن يحقق الذكاء الاصطناعي التوليدي أكثر من 2 تريليون دولار من الفوائد الاقتصادية، وفقاً لشركة ماكينزي، وذلك من خلال زيادة الإنتاجية عبر مجموعة من الشركات.
وقد تؤدي الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي أيضاً إلى زيادة مبيعات الحوسبة السحابية في قطاع التكنولوجيا. وعدد العملاء الذين يستخدمون أداة بناء الذكاء الاصطناعي التوليدي "أجيور أوبن إيه آي سرفيس" من "مايكروسوفت" زاد هذا العام من 250 إلى أكثر من 11 ألفاً. ولفتت "مايكروسوفت" إلى أن الذكاء الاصطناعي سيساهم بنقطتين مئويتين من النمو في أعمال "أجيور" خلال الربع الحالي.
"لا أحد يريد أن يتخلّف عن الركب"
قال المسؤول في شركة أتريديس مانجمنت الاستثمارية، جافين بيكر، إن "الوقت مبكر جداً، لكن لا أحد يريد أن يتخلف عن الركب". وقارن بيكر، متحدثاً لصحيفة نيويورك تايمز، الحراك الحالي بالأيام الأولى للإنترنت التجاري في التسعينيات، حين "كان من الواضح أنه سيغير العالم، لذلك استمر الناس في الاستثمار"، والأمر نفسه يتكرر مع الذكاء الاصطناعي.
وبدأت منتجات الذكاء الاصطناعي التوليدي بالوصول إلى السوق؛ تخطط "مايكروسوفت" لجني 360 دولاراً سنوياً من كل مستخدم مقابل "مايكروسوفت كوبايلوت 365"، وهو مساعد مدعوم بالذكاء الاصطناعي لكل من "وورد" و"إكسل" و"باور بوينت". لكن حجم المبيعات الجديدة التي تحققها لن يكون واضحاً حتى العام المقبل، وفقاً للمحللين.
ازدهار "إنفيديا"
بالنسبة لشركة صناعة الرقائق إنفيديا، فإن الذكاء الاصطناعي يشهد ازدهاراً بالفعل. في مايو/أيار، صدمت "إنفيديا" وول ستريت بتوقعها أن تحقق مبيعات بقيمة 11 مليار دولار في الربع الثاني الذي انتهى في 30 يوليو/ تموز، متجاوزةً توقعات المحللين بأكثر من 4 مليارات دولار. وعكست القفزة الكبيرة الطلب المتزايد على وحدات معالجة الرسومات التي تصممها لتزويد الذكاء الاصطناعي بالطاقة.
ولا يوجد لدى "إنفيديا" منافسون جادون في هذا السوق. ومن المتوقع أن تتضاعف مبيعات مركز بيانات "إنفيديا" هذا العام بإضافة 15 مليار دولار. ومن المتوقع أن تضيف 20 مليار دولار من المبيعات الجديدة العام المقبل.
وقد تضاعف سعر سهم "إنفيديا" ثلاث مرات هذا العام، مما يجعلها واحدة من الشركات القليلة التي تبلغ قيمتها الإجمالية أكثر من 1 تريليون دولار.
وتحاول شركات أشباه الموصلات الأخرى نيل حصتها من توسّع الذكاء الاصطناعي. وحققت "برودكوم" بعض النجاح المبكر من خلال العمل على رقائق الذكاء الاصطناعي لـ"غوغل". وتقدّم "إيه إم دي" وحدات معالجة الرسومات في محاولة لتخفيف قبضة "إنفيديا" على الزاوية الأكثر أهمية في السوق.