الدراما السورية في رمضان... نساء على تخوم السلطة وصراعاتها

04 مايو 2022
سلاف فواخرجي في "مع وقف التنفيذ" (يوتيوب)
+ الخط -

غالبًا ما يقتصر دور المرأة في المسلسلات السورية، على رعاية الأبناء والأزواج. وفي نسخ أكثر تطورًا وانفتاحًا، تشارك المرأة في الأعمال والمصالح وإدارة الجمعيات النسوية والخيرية. صنعة تستنسخ رؤيتها الفنية، في تسويغ الحضور الذكوري على حساب الأنثوي، ضمن محددات اجتماعية سائدة. مجمل الأعمال المطروحة، ولا سيما تلك المتعلقة بأعمال البيئة الشامية، خير مثال على ذلك.
أعمال قليلة جدًا خرجت عن المألوف، ورسخت تصورات جديدة لدور المرأة ضمن بيئة درامية خاصة، نافست الحاضنة الفكرية لعلاقة المرأة بالرجل، فسلخت عنها مسلمات المرأة الخاضعة والمستلبة، وأخرجتها من طور القيود المجتمعية.

هكذا، برزت أدوار لنساء مستقلات وقويات، حجّمن دور الرجل وسطوته على حياتهن وقراراتهن، مثلما شاهدنا من خلال شخصيتي ورد (سلافة معمار) وهيفا (كاريس بشار) في مسلسل "قلم حمرة" للمخرج الراحل حاتم علي، في عام 2014. متغيرات عديدة أثّرت في علاقة شركات الإنتاج السوري، مع الحركات النسوية التي آثرت الرفض والتغيير لكل ما هو منهجي وأبوي. حاولت شركات الإنتاج تلك تفتيت الادعاءات التي طاولتها، بتعويم الرؤية الاجتماعية في الأعمال الدرامية من منظور البيئة السورية، ومفاهيمها تجاه علاقة الرجل والمرأة. علاقة ساعدت ــ بعض الشيء ــ في تغيير مفاهيمها الرثة، من خلال عوامل اجتماعية وسياسية، ونضيف إليهما عوامل تكنولوجية، ارتبطت بتوسيع الخطاب العالمي للحركات النسوية عبر المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، وفتحها لمساحات تعبيرية خرجت عن نطاقها المحلي، وخلقت روابط جديدة بين منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والنسوية.
قد لا يبدو الأمر حقيقيًا، حين نراجع جملة الأعمال المطروحة خلال العقدين الأخيرين. وربما يسأل أحدهم ما الذي اختلف؟ المناخ الدرامي للأعمال السورية قد تغير، لكن طقوسه ما زالت على ما هي عليه. المرأة تخدم وتطيع وتكيد، وغير ذلك من الممارسات التي ما زالت ترى شركات الإنتاج فيها مطلبًا لمجتمع ذكوري.
برزت، هذا العام، أعمال درامية اجتماعية، تركّز على تعويم هذه التوجهات. وسوغت، ضمن مفردات لا يسعنا تحليلها إلا فنيًا، حاجة الدراما إلى تغيير بعض قواعدها وثوابتها، انطلاقًا من مبدأ "للضرورة أحكام" على ما يبدو. فقراءة المشهد الفني للصناعة السورية، تلزمنا البحث عن كيفيات جديدة، تلبي حاجة السوق المتهالك منذ نحو عقد من الزمن. فراهنت بعض الأعمال على خلق أدوات خطاب مختلفة، كان على رأسها تخصيص حضور أوسع ومختلف للمرأة، من خلال إقحامها في المسار السياسي، لتكون على مسار موازٍ مع الرجال، الذين لطالما تسيدوا مشاهد النزاعات والصراعات الداخلية في الذهنية الدرامية للواقع السوري.
في مسلسل "مع وقف التنفيذ"، للمخرج سيف الدين سبيعي، قدمت سلاف فواخرجي شخصية جنان العالم ابنة شيخ "حارة العطارين"، وعضوة المجلس النيابي، وزوجة الدكتور أديب (فايز قزق)؛ مسؤول رفيع في الدولة السورية. شخصية غير متوازنة، تخضع لقيود نفسية وعقائدية وزوجية، جعلت منها امرأة تائهة وضائعة ما بين رضا والدها، الذي رباها لتكون امرأة مؤمنة، وبين مطامحها الشخصية التي دفعتها لاستغلال رجل سياسي والزواج منه، لدعمها في الوصول إلى منصب رفيع في الدولة.
إلا ان هذا الزواج/المصلحة، سيعود عليها بالضرر والأذى النفسي والجسدي، إذ مارسهما زوجها عليها، ما أحال حياتها إلى جحيم، قبل أن تقرر في النهاية التخلص منه وقتله. هذه الدائرة، التي رُسمت بها شخصية فواخرجي، لم تفتقر إلى نوايا سيئة ومظلمة طبعت سلوكياتها. فنهبت وسرقت وقتلت وابتزت، مستغلة موقعها في السلطة. وعليه، فإننا أمام شخصية تقارع دراميًا رجال السلطة في مناصبهم وأفعالهم، وتنافسهم في حضورهم وعلاقاتهم ومزاجهم وسلوكياتهم.


لكننا، في الوقت عينه، نرى حاجة ملحة لشخصية جنان في العودة إلى حضن والدها، وكسب رضاه، رغم جميع ما ارتكبته من أفعال ومظالم، فيبقى السؤال حول البنية النفسية والبيئية التي كونت هذه الشخصية، وصراعاتها التي تبرر أفعالها؛ أي حول حاجة المرأة للتوازن والسيطرة على حياتها وقراراتها، مقابل الخضوع للسلطة الأبوية. وهذا محض إيهام ومراوغة درامية، تحاول التوفيق بين حقوق المرأة ومعتقدات المجتمع.
في "كسر عضم" لـ رشا شربتجي، نتعرف إلى شخصية الدكتورة عبلة إسماعيل (كاريس بشار). زوجة ضابط رفيع في الجيش السوري، اغتيل على يد زوجها السابق أبو ريان (فايز قزق)، الذي يحتل منصبًا رفيعًا في المخابرات السورية. الحرب المفتوحة بين عبلة وأبو ريان، تمثل شكل الصراع بين الخير والفساد، بين مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، والأهم بين امرأة ورجل. الهيبة والمكانة التي يتمتع بهما أبو ريان، توازيهما هيبة ومكانة شخصية عبلة في السلطة. الفارق هنا يتجاوز مسألة الشكل لحساب الموضوع. فالصراع الدائر بين الشخصيتين -وإن كان يرسم ملامح القدرة والقوة التي تتمتع بهما كلتا الشخصيتين- يلبي حاجة سياسية يفتقر إليها المجتمع النسوي في مضمار السلطة، لغايات تقويمها وحسن ضبطها من جهة، ولتطويق الرؤية التقليدية للدراما وحسر الإمكانيات المطلقة، التي يتفرد فيها الرجل في عالم السياسة، من جهة أخرى. 

لا شك في أن نموذجًا، كشخصيتي عبلة وجنان، يلبي توجهات صنّاع العملين، ومحاولاتهم في رفع قيمة المرأة، وتثبيت حضورها، وتقديمها كندٍ يقارع جلّادي الدولة ومؤسساتها من الجنس الآخر. لكن، هل ما تم تصويره يحتسب كتوجه ثقافي حقيقي، يراد له تغيير المعادلة الحقوقية والاجتماعية والسياسية في سورية؟ أم أن الأمر يبقى محض استعراض وجداني وفكري يخدم الوظيفة الإنتاجية للدراما؟

المساهمون