الخيال العلمي في فيلم "أوكسجين" الفرنسي
تؤدّي الممثلة ميلاني لورينت دور إليزابيث هانسن في الفيلم (Getty)
يعوز الفيلم الفرنسي "أوكسجين" رؤية سينمائية واضحة. فالوقوع في شباك التوظيف العلمي المعقد، لا سيما حين يتداخل النسق التقني مع الخيال النظري، سينتزع من حقيقة من سياقها البراغماتي، فتفقد معها قدرة تنفيذها وتأثيرها وتصديقها فنيًا. بداية، يسلك الفيلم مساره الخيالي بتوطئة مخادعة، فيكشف، في دقائقه الأولى، عن نوعيته وأزمة بطلته عالمة الأحياء الدكتورة إليزابيث هانسن (الممثلة ميلاني لورينت) بسلاسة وسرعة متناسقتين، من دون أن يفسح المجال للانتقال إلى كادر مختلف، كانت قد أوحت إليه تصرفات البطلة المحتجزة داخل شرنقة ليفية معدّة للتخزين داخل كبسولة فضائية مجهزة بتقنيات متطورة للحفاظ على حياة الإنسان.
فما أن تتحرر هانسن من بعض الوصلات والأجهزة لتستعد للخروج من الكبسولة، حتى نقف عند أولى الأزمات التي ستجبرنا على قبول صراع مستمر لا مفر منه، طوال مدة شريط الفيلم. تسعى هانسن للخروج من الحجرة بمختلف الطرق القليلة المتوفرة لديها.
من هنا تفتح البطلة نوافذ الحكاية، فيستعين المخرج الكسندر آجا بتقنيات "الفلاش باك" لربط الأحداث وتوثيقها رغم تشتتها وضياعها، لخلق مساحة بصرية أوسع، مما يخفف من وطأة الحدث وثقله داخل إطار الحجرة. أداء هانسن مع المعطيات البحثية سيمنع الصراع من تفلّته، ويسمح لعملية الانسجام والمتابعة أن يكونا حاضرين. صغر كادر التصوير وضيقه وعلاقته برحلة البطلة سيخلق جوًا من التوتر والقلق مناسبين للحفاظ على إيقاع الفيلم، بينما يضفي التراجع المتواتر لمنسوب الأوكسجين المتبقي لهانسن حالةً من الترقب والتشويق. الموسيقى التصويرية لم تخذل المساحات الفضائية التي سنكتشفها. عمق الفضاء وخواؤه وجهان لحالة البطلة النفسية واضطراباتها واجتهاداتها.
تخلع الحكاية لثامها وتتضح مضامين الحبكة. نكتشف أن الدكتورة اليزابيث هانسن ما هي إلا نسخة جينية بشرية عن هانسن الحقيقية، مصممة لتكاثر الجنس البشري. وقد استيقظت، بعد أن كانت في حالة سبات لمدة اثني عشر عامًا، عن طريق الخطأ، وهي في طريقها، مع نسخٍ أخرى يصل مجموعها جميعًا ألف نسخة، إلى كوكب افتراضي يسمى "وولف 61 سي – 10" بعد أربعة وثلاثين عامًا. وسيتضح في سياق الحكاية أن الأرض تعرضت لفيروس قاتل سيبيد البشرية بعد عقود عدة قليلة. لذا تم جمع فريق علمي لقيادة العملية وتوجيهها تحت قيادة عسكرية. هذه الخلاصة ستشي بتدهور الحكاية وهشاشتها وعدم تناسقها. إذ لا معلومات توضح شكل الفيروس واسمه وأسباب انتشاره. ولا معلومات عن انطلاق المهمة وتأليفها وتنفيذها.
مجرد محاورات تجريها هانسن مع نسختها الأصلية ومع شخص يدعى كابتن مور عبر الهاتف. ولابد أن اختيار 1000 شخص لا نعلم عن خلفيتهم أمرًا، وسبب اختيارهم من دون طرح أية معلومات عنهم سيدفعنا للتوجه نحو استنباط النظريات الفلسفية، والتي يأتي على رأسها نظرية الإنسان المتفوق للفيلسوف الألماني نيتشه.
مجموع هذه النسخ وتهميش معلوماتهم يشيان بفكرة العمل ومقترحاته في خلق الحلول المناسبة، حين تتعرض الأرض لكارثة فيروسية، من خلال اختيار ما يعرف بـ"مجتمع النخبة" ليقودوا العالم بعد زواله. وهو أمر ليس بجديد تقترحه أفلام الخيال العلمي عادة. فمعظم هذه الأعمال تقترح أفكارًا تستدعي الطاقات العلمية والتقنية، من بينها علم التبريد والذاكرة العاطفية المنقولة والاستنساخ.