المكسيك حرية الصحافة victoria razo/afp
23 ديسمبر 2020
+ الخط -

سجّلت منظمة "لجنة حماية الصحافيين" CPJ مقتل ثلاثين صحافياً حول العالم بسبب عملهم عام 2020، في تقريرها الذي صدر يوم الثلاثاء. وقد ارتفعت أعداد الصحافيين المقتولين مقارنة بالعام الماضي، وذلك على الرغم من تراجع أعداد الذين قتلوا في مناطق الصراعات والحروب، بسبب إجراءات كورونا.

واللافت للانتباه في التقرير أن أغلبية الصحافيين الذين قتلوا كانوا في دول ديمقراطية وليس بالضرورة خلال تغطياتهم للحروب والنزاعات المسلحة. فقد قتل عدد كبير منهم على يد عصابات إجرامية وجماعات مسلحة. واحتلت المكسيك المرتبة الأولى عالمياً في عدد الصحافيين الذين استهدفوا بسبب عملهم، تلتها الفيليبين وأفغانستان. 

في مقابلة خاصة لـ "العربي الجديد" في نيويورك، يقول منسق مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للمنظمة، شريف منصور، إن "ظاهرة قتل الصحافيين في مناطق النزاعات وصلت إلى أدنى مستوياتها هذا العام منذ عشرين عاماً بسبب تباطؤ العمليات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط".

ويشرح في هذا السياق "هناك 21 حالة من ضمن الثلاثين حالة كان السبب الرئيسي فيها القتل المتعمد وهذا ضعف العدد مقارنة بالسنة الماضية. وهذان مؤشران متناقضان، أي تضاعف عدد الذين قتلوا بشكل متعمد في الوقت الذي انخفض فيه عدد الذين قتلوا في الحروب. فعلى سبيل المثال عام 2012 سجلنا مقتل نحو ثلاثين صحافياً في سورية لوحدها من أصل 74 حالة تحققنا منها. هذا العام تمكنا من التحقق من مقتل ثلاثة صحافيين في سورية". 

احتلت المكسيك المرتبة الأولى عالمياً في عدد الصحافيين الذين استهدفوا بسبب عملهم، تلتها الفيليبين وأفغانستان

ويذكر منصور أن الانخفاض في عدد الصحافيين الذين قتلوا خلال تغطيتهم للنزاعات يعود لعدد من الأسباب، منها أن "قدرة الصحافيين على السفر وتغطية قضايا صحافية بما فيها النزاعات المسلحة كانت شبه معدومة هذا العام بسبب كورونا". ويذكر بوجود نحو 15 حالة إضافية ما زالت المنظمة تبحث فيها حيث من غير الواضح ما إذا كان القتل بسبب العمل الصحافي أو لأسباب أخرى قد تكون سياسية أو حقوقية يمارسها الشخص إلى جانب عمله الصحافي. 

ويشير التقرير إلى مقتل 3 صحافيين في سورية بالقرب من إدلب، شمال سورية، أثناء تغطيتهم للعمليات العسكرية حيث قتلوا في "غارات جوية يشتبه أن قوات روسيا المتحالفة مع نظام بشار الأسد هي التي نفذتها". كما يشير لمقتل صحافي عراقي ومصوره أثناء تغطيتهم لاحتجاجات البصرة بداية العام في العراق. 

ويوجه التقرير انتقادات حادة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ويصفها بالانتهازية، حيث تتحدث علناً عن نهج إيران وملاحقة الصحافيين وإعدامها للصحافي روح الله زم في الوقت الذي "فشلت فيه بشكل صارخ في إدانة الحكومة السعودية وولي العهد الأمير محمد بن سلمان لدورهما في جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي عام 2018". كما يلفت الانتباه إلى وجود مناخ حول العالم للإفلات من العقاب "كما خطاب خطير مناهض للصحافة وسط تنازل الولايات المتحدة عن القيادة العالمية للدفاع عن حرية الصحافة في عهد الرئيس ترامب".

مناخ حول العالم للإفلات من العقاب كما خطاب خطير مناهض للصحافة

ووثقت المنظمة منذ بدء تسجيلها لعدد الصحافيين الذين قتلوا حول العالم، عام 1992 حتى اليوم، مقتل 1510 صحافيين وعاملين في الإعلام، إضافة إلى 673 آخرين لم تتمكن من التحقق ما إذا كان السبب وراء قتلهم هو عملهم الإعلامي. 

وأصدرت المنظمة الأسبوع الماضي إحصائياتها السنوية حول الصحافيين السجناء حول العالم، وقد بلغ مجموعهم رقما قياسيا حيث يأتي عدد من الدول العربية ضمن الدول العشر الأكثر قمعا للصحافيين وعملهم بل حتى في تغطياتهم للاضطرابات الاجتماعية كما فيروس كورونا.

وبحسب التقرير فإنه بحلول الأول من ديسمبر كان هناك ما لا يقل عن 274 صحافياً في السجون حول العالم وهو أكبر عدد تسجله منظمة "لجنة حماية الصحافيين" منذ عام 1992. وهذه هي السنة الخامسة على التوالي التي يتجاوز فيها عدد الصحافيين السجناء 250 صحافياً. وتصدّرت كل من الصين وتركيا ومصر والسعودية قائمة الدول التي تسجن أكبر عدد من الصحافيين.

وفي هذا السياق يقول منصور "معظم الصحافيين الذين سجنوا وجهت لهم اتهامات بمناهضة ومعارضة الدولة. حوالي ثلثي هؤلاء، بمن فيهم الصحافيون من الشرق الأوسط، اتهموا بنشر الأخبار الكاذبة والإرهاب. في مصر بالتحديد كان التركيز على استغلال الحبس الاحتياطي وظاهرة التدوير لإبقاء الصحافيين مسجونين خلف القضبان بقضايا جديدة حتى بعد أن تصدر أحكام بالإفراج عنهم في القضايا الأصلية التي احتجزوا بسببها. ويوجد على الأقل ثلاثة صحافيين مصريين سجنوا لتغطيتهم المباشرة لجائحة كورونا. واحد منهم، محمد منير، أصيب خلال احتجازه ثم أفرج عنه بعد ظهور أعراض إصابته بكورونا ومات بعد فترة قصيرة من الإفراج عنه".

وحول تعامل السلطات المصرية مع الصحافيين المسجونين يضيف منصور "جزء من طريقة معاقبتهم هو إهمالهم وعدم تقديم العلاج لهم وعدم التعامل معهم صحيا وحتى أنه في مصر تحديدا تم القبض على صحافي اتخذ تدابير احترازية بعد إصابته بكورونا ثم وضع في المستشفى مقيدا بالأصفاد وهو مريض. وهذه إشارة إلى توحش السلطات الأمنية وعدم اهتمامها واستغلالها للجائحة لإجهاض ما تبقى من العمل الصحافي المستقل".

ويشرح منصور حول مستوى تدهور حرية الصحافة في مصر قائلاً "في عام 2012 لم يكن هناك صحافي مسجون في مصر بسبب عمله، ولكن منذ 2013 حتى الآن أصبحت مصر واحدة من الدول العشر الأولى من حيث  سجن الصحافيين، ومنذ عام  2015 من الدول الخمس الأولى في العالم".

وعن الأسباب الكامنة وراء ذلك يقول "هناك أسباب كثيرة من بينها تمديد فترة الاحتجاز الاحتياطي على ذمة القضايا، وخاصة القضايا التي قامت الحكومة المصرية بتشكيلها في ما يخص "مكافحة الإرهاب" وتغطية الاحتجاجات أو المظاهرات أو تحت مسمى إساءة استخدام سبل التواصل الاجتماعي وبث أخبار كاذبة". ويضيف "في 2013 كان يمكن قانونيا أن يحبس أي شخص احتياطيا لمدة ثلاثة أيام فقط، ولكن بعدها تم تمديد هذه المدة لثلاثين يوما قابلة للتمديد، من دون احترامها على أرض الواقع. هناك صحافيون كمحمود حسين من "الجزيرة" احتجز لأربع سنوات وأعيد احتجازه مرة أخرى بنفس الاتهامات بقضية جديدة. واستمر احتجازه بالرغم من صدور حكم محكمة بالإفراج عنه. شخص آخر كان عرضة لهذا التنكيل بعدد من الطرق هو علاء عبد الفتاح الذي حبس في عدد من القضايا، وحتى عندما أفرج عنه مرتين على مدى السنوات السبع الأخيرة احتجز مجددا ووجهت له اتهامات جديدة ليبقى في الحبس".

قدوم ترامب ومهاجمته للصحافيين أعطى ذريعة إضافية للكثير من أنظمة الاستبداد لاستخدام الاتهامات الفضفاضة كـ "مكافحة الإرهاب" و" نشر الأخبار لكاذبة" لتبرير احتجاز عدد كبير من الصحافيين على مدى السنوات الخمس الأخيرة

ويشير منصور إلى أن السبب في استمرار العديد من هذه الدول بممارساتها يعود بشكل جزئي لعدم وجود قيادة أخلاقية في الدول الغربية، وخاصة منذ انتخاب ترامب، تدافع عن الصحافيين المسجونين في دول حليفة لها بما فيها تركيا ومصر والسعودية والبحرين.

ويرى أن تلك الدول كانت تستمع أو ترضخ أحيانا للضغوط من قيادات الدول الغربية حول سجلها الحقوقي وملفات حرية الصحافة، إلا أن قدوم ترامب ومهاجمته للصحافيين أعطى ذريعة إضافية للكثير من تلك الأنظمة لاستخدام الاتهامات الفضفاضة كـ "مكافحة الإرهاب" و" نشر الأخبار لكاذبة" لتبرير احتجاز عدد كبير من الصحافيين على مدى السنوات الخمس الأخيرة.

ويشير التقرير إلى أنه وعلى الرغم من أنه "لم يكن هناك أي صحافي سجين في الولايات المتحدة في الوقت الذي أعدت فيها لجنة حماية الصحافيين إحصاءها السنوي، إلا أن عددا غير مسبوق من الصحافيين اعتُقل في الولايات المتحدة خلال العام وبلغ 110 صحافيين اعتقلوا أو وُجهت ضدهم اتهامات بينما كانوا يغطون التظاهرات ضد عنف الشرطة. كما ما زال 12 صحافياً على الأقل يواجهون اتهامات ضدهم بحسب موقع "تتبع حرية الصحافة" الأميركي".

المساهمون