استمع إلى الملخص
- أكثر من مائة نائب لبناني يطالبون اليونسكو بحماية المواقع التاريخية، مؤكدين أن الحفاظ عليها مسؤولية دولية لحماية الحضارة الإنسانية، مع تحذير من خسارة التراث العالمي.
- اليونسكو تعلن عن اجتماع طارئ لمناقشة حماية المواقع الثقافية في لبنان، وتؤكد دعمها للمديرية العامة للآثار لنقل القطع الأثرية إلى مواقع آمنة.
وجّه لبنان نداءً إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، لتأمين الانتباه الدولي والدعوة إلى اتخاذ كافة التدابير الحمائية للحفاظ على المواقع الأثرية التي تواجه خطراً كبيراً في ظلّ تصاعد العدوان الإسرائيلي. وأصبحت المواقع الأثرية التاريخية عرضة للغارات الإسرائيلية، خصوصاً في الجنوب وبعلبك الهرمل، حيث عمد الاحتلال إلى استهداف بيوت أثرية، ذات تصنيف دولي، إلى جانب مساجد وكنائس قديمة أثرية، وأسواق تجارية تراثية، كما وتنفيذ غارات على مقربة من هذه المواقع بما يلحق أضراراً بها.
وترتفع الأصوات في لبنان لحماية المواقع التاريخية التي تمثل ذاكرة الشعب وهويته وثروته العالمية مع تزايد المخاوف من استهداف قلعة بعلبك، التي تعدّ هدفاً للاحتلال الإسرائيلي، بحسب الجهات الرسمية، خصوصاً أن غارات سبق أن استهدفت مباني تاريخية محيطة بها، إذ سقط صاروخ، الأربعاء، داخل موقف السيارات التابع للقلعة، ما ألحق أضرار بحيّ المنشية الأثري. ويضمّ لبنان ستة مواقع مدرجة على قائمة منظمة يونسكو للتراث العالمي، بما فيها آثار رومانية في مدينتي بعلبك وصور اللتين تتعرضان منذ أسابيع لغارات إسرائيلية.
وأطلق أكثر من مائة نائب لبناني، الخميس، نداءً ملحّاً إلى "يونسكو" لـ"حماية المواقع التاريخية في لبنان، ولا سيما في بعلبك وصور وصيدا، وغيرها من المعالم الثمينة التي تواجه خطراً كبيراً نتيجة تصاعد الفظائع". وقالت النائبة نجاة عون صليبا، خلال تلاوتها البيان، إنّ "حماية هذه المواقع ليست مجرد مصلحة وطنية بل مسؤولية للحفاظ على جزء من الحضارة الإنسانية الذي ينتمي إلى تراثنا العالمي والدولي المشترك"، مشيرةً إلى أنّ على "اليونسكو" مسؤولية كبيرة بالدفاع عن هذه الرموز التي لا تُقدّر بثمن لتاريخنا البشري المشترك.
وأشارت إلى أن "مهمة اليونسكو في تعزيز السلام من خلال التعليم والثقافة والعلوم تجعل حماية هذه المواقع أمراً أساسياً"، مضيفةً أنّ "تدمير هذه المعالم، إن حدث، لن يكون مجرد خسارة للبنان، بل ضربة مأساوية للتراث العالمي، وهو ما يؤثر في الناس بجميع أنحاء العالم ويمزّق الهوية الجماعية للبشرية بشكل لا رجعة فيه". وشدّدت صليبا على أنّ "استهداف هذه المعالم بشكل مباشر أو غير مباشر سيؤثر فيها بعمقٍ ويهدّد وجودها، لذا ندعو يونسكو لإعطاء الأولوية بشكلٍ عاجلٍ لحماية هذه المواقع التاريخية من خلال تعبئة سلطة يونسكو وتأمين الانتباه الدولي والدعوة لاتخاذ التدابير الحمائية كافة".
وتابعت: "هذا النداء يتجاوز الحفظ المادي، إنه يتعلق بحماية التقاليد والقصص والقيم التي تمثلها هذه المواقع، فهذا إرث يربط بين ماضينا ومستقبلنا، ونحن باعتبارنا ممثلين للشعب ونيابة عن المجتمعات التي تربط هويتها بعمق بهذه المعالم الثقافية نناشد يونسكو الاستجابة لهذا النداء العاجل".
وتوجهت صليبا لـ"يونسكو" بالقول "إنّ قيادتكم وتأثيركم والعمل السريع ضرورة لضمان بقاء هذا التراث الثمين ليكون رمزاً للوحدة والسلام وباحترام وثقة في تفانيكم لتراث الإنسانية المشترك نحثكم على اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لحماية هذه الأيقونات الثقافية. من خلال دعم يونسكو نؤمن بأننا نستطيع زيادة الوعي العالمي وتأمين الدعم الدولي وتعزيز الالتزام بحماية هذه المواقع التي لا تقدر بثمن".
وزير الثقافة يوجه كتاباً مستعجلاً إلى "يونسكو"
من جهته، وجّه وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى، أمس الأربعاء، كتاباً مستعجلاً إلى المديرة العامة لـ"يونسكو" أودري أزولاي، بواسطة رئيس البعثة الدائمة للبنان لدى المنظمة، السفير مصطفى أديب.
وقال المرتضى في رسالته: "أكتب إليكم ببالغ الحزن والغضب والقلق باسم الجمهورية اللبنانية، حكومة وشعباً، بعد تعرّض تراثنا الثقافي العريق لاعتداء خطير مساء الأربعاء. فقد استهدف العدوان الإسرائيلي مبنى المنشية التاريخي في بعلبك، الذي يعود إلى الحقبة العثمانية ويقع بالقرب من قلعة بعلبك، لأضرار جسيمة نتيجة الاعتداءات الأخيرة. هذا المبنى كان يحمل في طياته قروناً من التاريخ والثقافة، ويُعدّ شاهداً حياً على تراثنا الثقافي المشترك". وأضاف: "إن فقدان هذا المعلم الفريد، المحاذي لموقع مسجل ضمن التراث العالمي ليونسكو، يُعتبر خسارة لا تُعوَّض، ليس فقط للبنان بل للتراث الإنساني ككل".
وأشار المرتضى إلى أنّ "المنشية كانت رمزاً معمارياً وتاريخياً، وجسّدت موروثاً حياً للأجيال، لذا فإنّ تدميرها في ظل الأوضاع الحالية يشكل خسارة بالغة لنا جميعاً. إننا نخاطبكم مجدداً لأن تتدخل يونسكو بشكلٍ عاجلٍ لحماية ما تبقى من مواقع تراثية في بعلبك، وحماية كامل التراث الثقافي اللبناني المعرَّض اليوم لتهديدات متصاعدة. وبينما يبقى لبنان ملتزماً بالمواثيق الدولية، فإنّه بحاجة ماسّة، في ظل الظروف الراهنة، إلى تدخّل يونسكو الفاعل للحفاظ على إرثه التاريخي".
"يونسكو" ستعقد اجتماعاً طارئاً
وجهت الرسالة قبل ساعات من إعلان "يونسكو" عزمها عقد اجتماع طارئ الشهر الحالي في مقرها في باريس، ينظر في أمر 34 موقعاً ثقافياً. وقالت المنظمة لوكالة فرانس برس: "بناء على طلب السلطات اللبنانية، تعقد في 18 نوفمبر/تشرين الثاني جلسة طارئة للجنة حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح". ونبّهت المنظمة الى أن "تصعيد الأعمال العدائية الجارية في لبنان يشكل مخاطر جدية تهدد بإلحاق أضرار لا يمكن ترميمها بالتراث الثقافي والطبيعي العالمي للبنان، فضلاً عن المواقع ذات الأهمية الثقافية والتاريخية".وشدّدت على أنّ الضربات "في محيط مواقع التراث العالمي قد تتسبب بأضرار بسبب هشاشة بعض المعالم".
وجاء إعلان "يونسكو" غداة سلسلة غارات إسرائيلية استهدفت مدينة بعلبك ومحيطها في شرق لبنان، ما أسفر عن استشهاد 40 شخصاً على الأقل، غالبيتهم في المدينة. وطاولت إحدى الغارات، وفق مسؤولين محليين في المدينة، موقف سيارات خارج حرم قلعة بعلبك، وأسفرت عن دمار مبنى يعرف بالمنشية يعود تاريخ بنائه إلى حقبة الانتداب الفرنسي للبنان. وألحق عصف الغارة أضراراً بفندق بالميرا العريق المشرف على القلعة التاريخية، إحدى أبرز الوجهات السياحية في لبنان. وأفاد محافظ المنطقة بشير خضر عبر منصة إكس بأن الغارة كانت "الأقرب على قلعة بعلبك" منذ بدء التصعيد الإسرائيلي على المنطقة.
وفي مدينة صور جنوبا، استهدفت غارات إسرائيلية مواقع قريبة من آثار رومانية قديمة، مدرجة على قائمة "يونسكو". وكانت المنظمة أعلنت، الشهر الماضي، أنها "تتابع عن كثب تأثير الصراع المستمر على موقع التراث العالمي في صور" باستخدام أدوات الاستشعار عن بعد وصور الأقمار الصناعية.
وأفادت، الخميس، بأنها تقدم دعماً للمديرية العامة للآثار في لبنان من أجل حماية التراث الثقافي المنقول. ويشمل ذلك جرد القطع الأثرية في صور وصيدا وبعلبك، ونقلها وتخزينها بشكل مناسب في مواقع تعد "أكثر أماناً" في لبنان.
وحذّرت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، جينين هينيس-بلاسخارت، قبل أيام، من الخطر الذي تشكّله الحرب على مواقع أثرية، ولا سيما في مدينتي بعلبك وصور. وكتبت على منصة إكس: "تواجه مدن فينيقية قديمة ضاربة في التاريخ خطراً شديداً قد يؤدي إلى تدميرها".
وخلال اجتماع مع سفراء الدول الخمس الكبرى في بيروت الاثنين، حذّر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من أنّ "الهجمات على مدن مثل بعلبك وصور أدت إلى تهديد مواقع تراثية وثقافية لا تقدر بثمن". ودعا إلى "وقف فوري لإطلاق النار لوقف العنف العبثي وحماية التراث الثقافي لبلادنا"، وطالب "مجلس الأمن باتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لحماية هذه الكنوز التاريخية التي لا تشكل جزءاً من هويتنا الوطنية فحسب، بل إنها تحمل أيضاً أهمية باعتبارها معالم تاريخية عالمية".