مداخلة هاتفية مفبركة مع الجراح المصري العالمي، مجدي يعقوب، على قناة "الحدث اليوم" الأسبوع الماضي، تلخص ما آل إليه وضع الإعلام المصري منذ الانقلاب العسكري عام 2013 حتى الآن، في ظلّ سيطرة كاملة على جميع وسائل الإعلام المحلية من قبل أجهزة المخابرات والأمن.
ورغم قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر إيقاف برنامج "الحياة أحلى"، وإحالة المسؤولين في القناة على التحقيق، تبقى المحاسبة على هذه المخالفة وغيرها من المخالفات الإعلامية صعبة، كما يوضح مصدر في نقابة الإعلاميين المصريين، "وذلك بسبب انتشار ظاهرة تأجير ساعات البث والهواء، إذ تسمح قنوات فضائية بتأجير ساعات الهواء المباشر لأشخاص ينتجون برامج، ويكونون مسؤولين عنها مباشرةً، من دون تحمّل القناة أو مديرها أو مالكها أي مسؤولية".
ففي شهر أغسطس/آب الماضي، شهدت القناة نفسها، أي "الحدث اليوم" واقعة شبيهة، بطلتها مذيعة اسمها مي حلمي. وقتها هاجمت هذه الأخيرة ضيفها كابتن نادي الزمالك أحمد صالح، خلال برنامج "الحكم"، ما دفعه إلى الانسحاب من الحلقة. ورغم الانتقادات التي لاقتها لارتكابها مخالفات وانتهاكات إعلامية ومهنية، اكتفت القناة بإيقافها وتجميد برنامجها لمدة أسبوع، وإحالتها على التحقيق، لتعود وتظهر بعدها في البرنامج بشكل عادي.
تأتي هذه الممارسات الإعلامية المفبركة والفجة، في عصر إعلام الصوت الواحد الذي يعرض آراء المؤيدين للنظام المصري فقط. بل أبعد من ذلك، يلجأ بعض الإعلاميين إلى تزييف التصريحات وتحويرها. وهو ما حصل على سبيل المثال مع عمرو أديب في برنامجه "الحكاية" الذي تعرضه قناة MBC مصر. إذ اقتطع أديب وحوّر كلام شيخ الأزهر أحمد الطيب حول "ضرب الزوجات"، مزيفاً إياه، بشكل دفع جريدة "صوت الأزهر" قبل أيام، لتخصيص صفحات كاملة من عددها الأخير للرد على أديب.
وأكد رئيس تحرير الجريدة الناطقة بلسان الأزهر، الصحافي أحمد الصاوي، أنّ جريدته "مارست حقَّها في نقد هذه الممارسة الإعلامية المحددة في إطار المعايير والضوابط المتعارف عليها، ونشرت 12 ملاحظة على ممارسة الإعلامي عمرو أديب الإعلامية، باعتباره من أدار هذا النقاش واختار ضيوفه، وأظهر انحيازه إلى أحد الآراء دون تحرِّي الدقة في المعلومات المقدَّمة أو الحرص على إظهار رأي شيخ الأزهر على النحو الصحيح".
وبينما أكد الصاوي أنّ مؤسسة الأزهر وشيخه ليسا فوق النقد، لفت إلى أنّ "هناك مذيعاً كروياً أُوقِف وحُقِّق معه من الهيئات الإعلامية بعد تفسير قول له بأنّه إساءة إلى النادي الأهلي، وبالتالي فما يطلب ليس إلّا ضوابط محددة لاحترام الكيانات التي يفخر بها كلّ مصري، وعلى رأسها الأزهر الشريف".
تتويج لمسار طويل من انعدام المهنية غير المسبوق
ما شهده الإعلام المصري أخيراً، لم يكن سوى تتويج لمسار طويل من انعدام المهنية غير المسبوق، وتراجع الحريات بشكل سريع. فوفق التصنيف العالمي لحرية الصحافة الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، الذي تناول الحالة الإعلامية في مصر على مستويات مختلفة، منها السيطرة على الوسائل الإعلامية، وسنّ القوانين والتشريعات المقيدة، ورفع وتيرة الرقابة والمنع مع المناسبات الانتخابية أو الدستورية ومنع تغطية الأوضاع في سيناء والرقابة على الفساد، جاء تصنيف مصر في المرتبة الـ 166 في نسخة عامي 2020 و2021 متراجعة 3 درجات عن مؤشر عام 2019.
كذلك خلص تصنيف "الحرية والديمقراطية في العالم" الصادر عن منظمة "فريدوم هاوس"، إلى سيطرة وسائل الإعلام الحكومية على قطاع الإعلام المصري، وإغلاق معظم المنافذ المنتقدة والمعارضة في أعقاب انقلاب عام 2013. وإطلاق عدد من القنوات التلفزيونية والصحف الخاصة والاستحواذ عليها من قبل رجال الأعمال والأفراد المرتبطين بالحكومة، الذين تربطهم علاقات بالجيش والاستخبارات.
وأكد تقرير لـ"المعهد المصري للدراسات" صادر عام 2020، أنّ التقارير والمؤشرات الدولية أجمعت على وصف الحالة الإعلامية في مصر بـ"المزرية"، فالحريات الإعلامية غير متاحة، والمحتوى الإعلامي تحت سيطرة السلطة، وسلاح الخوف والتهديد بالسجن أو القتل فوق رقاب الصحافيين والإعلاميين وكذلك المواطنين الصحافيين.
وأكد أنّ الإدارة الإعلامية تعتمد سياسات التحكم في الرسائل الإعلامية، ومنع حرية نشر المعلومات، بل ومنع تغطية أخبار كمنع الصحافيين من دخول سيناء لكشف الحقائق والتنبيه على نشر المعلومات من المتحدث العسكري فقط. وتأتي مسألة تأميم وسائل الإعلام أو شرائها، وإغلاق المستقل منها عاملاً إضافياً للسيطرة على الإعلام.