الأنيميا هدّد حياة آلاف أطفال قدماء المصريين

06 مايو 2023
يصيب فقر الدم بشكل خاص الأطفال (أحمد حسن/فرانس برس)
+ الخط -

تشير الإحصاءات الرسمية الصادرة عن جهاز التعبئة العامة والإحصاء في مصر إلى أن أعداد المصابين بمرض فقر الدم (الأنيميا) تضاعفت من نسبة 27.2 في المائة في عام 2014 إلى نحو 43 في المائة عام 2022. لكن يبدو أن المصريين المعاصرين ليسوا وحدهم من يعانون من فقر الدم هذا. إذ اكتشف فريق من علماء الأمراض القديمة وخبراء طبيين من ألمانيا والولايات المتحدة وإيطاليا أن فقر الدم كان شائعاً لدى أطفال قدماء المصريين.

في الدراسة التي نشرت في المجلة الدولية لعلم الآثار يوم 13 إبريل/ نيسان الماضي، أخضع الباحثون بقايا عدد من المومياوات المحنطة لأطفال من مصر القديمة للتصوير المقطعي المحوسب، لدراسة هياكلهم العظمية والوصول إلى النتائج التي كشفت أن أطفال قدماء المصريين كانوا يعانون من نقص الحديد ونقص الأوكسجين في الدم قبل بلوغهم العاشرة من العمر، ما زاد من احتمالية إصابتهم بتشوهات في العظام، وربما سبّب وفاة بعضهم قبل أوانهم.

فقر الدم هو الحالة التي لا يحتوي فيها الدم على ما يكفي من كريات الدم الحمراء السليمة لحمل كمية الأوكسجين الكافية إلى أنسجة الجسم، وبالتالي ينقص الهيموغلوبين. في النهاية، هذا يعني أن الدم غير قادر على حمل ما يكفي من الأوكسجين لتلبية احتياجات الجسم. وتتفاوت أسباب حدوث فقر الدم، إذ غالباً ما يحدث فقر الدم لأكثر من سبب واحد. وقد يكون فقر الدم مؤقتاً أو طويل الأجل، وقد يتدرج في المستوى من الحالة البسيطة إلى الحالة الحادة.

وأوضحت المؤلفة الرئيسية للدراسة ستيفان بانزر، أستاذة علم الأشعة العصبي في جامعة باراسلزوس الطبية الخاصة في سالزبورغ في النمسا، أنه لتحديد مدى انتشار الإصابة بين الأطفال، فحص الفريق 21 مومياءً مصرية قديمة باستخدام تقنية تسمى التصوير المقطعي المحوسب لكامل الجسم. سمح لهم ذلك بتحديد التشوهات الهيكلية المرتبطة عادة بفقر الدم، مثل تضخم قبو الجمجمة، وهو جزء من الجمجمة يحتوي على الدماغ. وأشارت بانزر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الفريق البحثي قدّر أعمار الأطفال المحنطة أجسادهم بين عمر عام واحد فقط إلى 14 عاما تقريباً. وأسفرت نتائج التحليل عن أمارات وجود تضم مرضي في قبو الجمجمة لدى سبعة من الأطفال المبحوثة مومياواتهم، وهو ما قالت بانزر إنه يُعَدّ مؤشراً على أن هؤلاء الأطفال ربما كانوا يعانون من فقر الدم عند وفاتهم. 

ووفقاً للمؤلفة الرئيسية للدراسة، لوحظ وجود فائض في نخاع العظم في جميع أنحاء جمجمة أحد الأطفال الذين خضعوا للبحث الذي ولد مشوهاً بالكامل. كذلك كشفت دراسة مومياء الطفل عن وجود فائض في نخاع عظام وجهه، وهو ما يرجعه العلماء إلى حالة خلقية تسمى الثلاسيميا التي تحدث بسبب حدوث طفرات في الحمض النووي للخلايا المسؤولة عن إنتاج الهيموغلوبين، وعدم القدرة على إنتاج الهيموغلوبين. وفيما يمكن علاج هذه الحالة المرضية في الوقت الحاضر من طريق عمليات نقل الدم والعلاج بالاستخلاب (إزالة المعادن الثقيلة من الجسم)، إلّا أنّ أطفال الماضي لم تتوافر لهم هذه الطرق العلاجية الحديثة.

يعتقد الباحثون أنّ الطفل المشوه ربما كان قد عانى من فقر الدم الحاد وحدوث تغيرات هيكلية ناتجة من توسع نخاع العظام. وأشاروا إلى أنّ مرضى الثلاسيميا غير المعالجين قد يكونون عرضة لتأخر النمو، والشحوب، واليرقان، وضعف العضلات، وتضخم الكبد والطحال، وربما الموت المبكر، وغالباً في مرحلة الطفولة.

يرتبط انتشار فقر الدم في مصر القديمة بعدد من العوامل، منها انتشار مرض الملاريا، وسوء التغذية وما ينتج منه من انخفاض مستويات الحديد في الجسم، وفقدان الدم المزمن في الجهاز الهضمي، وانخفاض الامتصاص، وكلاهما ناجم عن الطفيليات مثل البلهارسيا التي كانت مرضاً شائعاً في مصر القديمة والحديثة حتى عدة عقود مضت. أما فقر الدم الحالي المنتشر في مصر وفي عدد كبير من دول العالم، فيمكن إرجاعه إلى أسباب مختلفة مرتبطة أولاً بنمط الحياة السريع الذي يفرض نمطاً غذائياً غير صحي في أوقات كثيرة، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة لشريحة كبيرة، وهو ما يفرض عليها شراء أغذية ليست بالضرورة صحية ولا تؤمن العناصر الغذئية الأساسية.

المساهمون