الأطفال أمام الشاشات: أرقام وتحليلات

23 ابريل 2023
التلفزيون هو الشاشة الأكثر مشاهدةً في مراحل الطفولة الأولى (Getty)
+ الخط -

يقضي الأطفال بعمر سنتين (في فرنسا)، ساعة يومياً أمام الشاشات، وذلك وفق نتائج آخر الدراسات التي نشرتها الوكالة الوطنية للصحة العامة في فرنسا. يزداد إجمالي هذا الوقت بشكل تصاعدي، وذلك حتى بلوغهم الخمس سنوات ونصف السنة. أجريت الدراسة على 18329 طفلاً (18040 عائلة) تراوحت أعمارهم بين سنتين وخمس سنوات ونصف، وتمّت بين عامي 2013 و2017. تركّز العمل على قراءة وفهم وتحليل الوقت الذي يقضيه الأطفال في هذه الفئة العمرية، أمام أي نوع من أنواع الشاشات، سواء كان تلفزيوناً، هاتفاً ذكياً، حاسوباً أو جهازاً لوحيّاً. 
تتطرّق الدراسة إلى العوامل المؤثرة على حجم استهلاك الأطفال للشاشات، وقد دارت في معظمها فلك الأمهات، أي مستوى الأم التعليمي أو أصولها... وبرّرت الدراسة التركيز على تأثير دور الأم ومكانتها، من مبدأ أنها في أغلب الأحيان هي التي تتولى المسؤولية الأكبر في الاهتمام بالأطفال، وأيضاً بسبب وجود نقص في المعلومات التي قدّمها الآباء مقارنةً بتلك التي قدّمتها الأمهات.  
رحلة البحث بين أكوام الدراسات حول العلاقة الجامعة بين الأطفال والشاشات ستكون رحلة طويلة... ونتائجها متناقضة. نظريات وحجج وبراهين، منها من تولى التركيز على ايجابيات البدء المُبكر في خلق ارتباط بين الطفل والشاشة، ومنها من يرى في الأمر مصيبة ستحوّل الأجيال المقبلة إلى كوابيس متنقلة. وما بين الاثنين، حديث ونصائح كثيرة عن أهمية تحقيق توازن. 
الدراسة الفرنسية الصادرة نتائجها في الأسبوع الماضي، تناولت تغاضي الأهل تدريجيّاً عن التحذيرات كلّما تقدم أطفالهم في العمر. ويتبيّن هذا في إحصاء الوقت المقضي أمام شاشة التلفزيون، وهي الشاشة الأكثر مشاهدةً من قبل الأطفال في هذه الفئة العمرية حسب ما نقلت الدراسة:

  • 86 في المائة من الأطفال بعمر السنتين يقضون 48 دقيقة أمام التلفزيون
  • 73 في المائة من الأطفال بعمر الثلاث سنوات ونصف يمضون 58 دقيقة
  • 64 في المائة من الأطفال بعمر الخمس سنوات ونصف فيقضون ساعة كاملة أمام التلفزيون.

يُضاف إلى الوقت الذي يقضيه هؤلاء الأطفال أمام شاشة التلفزيون، توجد حصة خاصة بالشاشات الالكترونية؛ اذ يقضي الأطفال في عمر الخمس سنوات والنصف (إضافة الى التلفزيون):

  • 17 دقيقة أمام جهاز لوحي
  • 7 دقائق في ألعاب الفيديو
  • 6 دقائق في استخدام هاتف ذكي
  • 5 دقائق أمام شاشة الحاسوب.

وإن كانت أغلبية الأطفال من هذه الفئة العمرية يقضون حوالي الساعة أمام الشاشة، تُشدّد الدراسة على أن جزءاً مهماً يمضي ساعتين يوميّاً؛ كان هذا حال:

  • 11,2 في المائة من الأطفال بعمر السنتين في عام 2013
  • 18,9 في المائة من الأطفال بعمر الثلاث سنوات ونصف بين عامي 2015 و2016
  • 26 في المائة من الأطفال بعمر الخمس سنوات ونصف في عام 2017

الأطفال من أصول أجنبية يقضون وقتاً أطول أمام الشاشات

 من المهم التذكير بالمرحلة الزمنية التي تمّت فيها الدراسة، أي بين عامي 2013 و2017، ونظراً للقفزات التكنولوجية السريعة، هذه النتائج لا بدّ أن تكون مختلفة في 2023. في عام 2017، لم يكن حضور الهواتف والشاشات الإلكترونية كما هو الحال اليوم، ولا سيما أن الدراسة تمّت قبل مرحلة وباء كورونا، وهي المرحلة التي حدث ضمنها وبعدها الكثير من التغيرات في العادات، لا سيما الارتباط بالتكنولوجيا وحضورها في الحياة اليومية. 
ولكن المُلفت في هذه الدراسة وصولها إلى الخلاصة التالية: الأطفال من أصول أجنبية (غير فرنسية) يقضون وقتاً أطول من غيرهم أمام الشاشات. كلما زاد عدد أجداد الطفل الذين ولدوا في بلد أجنبي، كلّما ارتفعت نسبة هذا الوقت الذي يمضيه الطفل أمام الشاشة. حسب الدراسة، فالأطفال الذين لديهم ثلاثة أو أربعة أجداد من أصول أجنبية، يقضون نصف ساعة أكثر من غيرهم من الأطفال الذين ولد أجدادهم في فرنسا. كما توصلت الدراسة إلى أن مستوى تعليم الأم يلعب دوراً مهماً في تقليل أو زيادة الوقت الذي يقضيه الطفل أمام الشاشة؛ كلّما زاد مستوى تعليم الأم كلّما قلّ هذا الوقت، والعكس صحيح. 
هذه العلاقة بين أصول الطفل والوقت المخصّص للشاشة، لم تفسره الدراسة، بل اكتفت بتقديم الأرقام والبيانات. ولكن انحدار معظم هؤلاء الأطفال من فئات شعبية، قد يشرح الأمر. التلفزيون يحتلّ مساحة كبيرة في حياة الطبقات الشعبية، مع اختلاف ثقافتها أو أصولها العرقية، وغالباً ما تكون الأسر المهاجرة جزءاً من هذه الفئات. ولكن أيضاً، من المُمكن أن تكون الشاشة سبيلاً إلى هؤلاء الأطفال لتعلم اللغة بشكل أفضل، خاصة إذا كانت المحادثات العائلية تجري باللغة الأمّ. وفي هذه الحالة، وهذا ما تؤكده الدراسات، غالباً ما يحتاج الأهل في هذه الحالة إلى أطفالهم لمساعدتهم في المعاملات الإدارية.

يتناول الباحث الفرنسي في مجال علم الأعصاب الإدراكي ميشال ديمورغي دور المستوى الاجتماعي والاقتصادي في تزويد أو تقليل الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشة، كما يشير في كتابه "صناعة حمقى رقميين... مخاطر الشاشات على أطفالنا"، إلى اختلاف هذا الوقت، ونوعيّته، مع اختلاف جنس الطفل. يذكر ديمورغي في مقدمة كتابه أن الأطفال بعمر السنتين في البلاد الغربية يقضون تقريباً ثلاث ساعات أمام الشاشة، بينما يقضي الأطفال من عمر 8 سنوات إلى 12 سنة، تقريباً 4 ساعات و45 دقيقة. وما بين 13 و18 سنة، يقضون 6 ساعات و45 دقيقة. وهذا ما يُعادل الألف ساعة سنويّاً بالنسبة الى طفل في المستوى التمهيدي، و1700 ساعة لطفل في الصفوف الابتدائية (وهو ما يُعادل مجموع عامين دراسيين). في هذا الوقت، يفرد الباحث مساحة كبيرة من كتابه للتناقضات التي تأتي عليها الدراسات. وبرأيه، قبل الخوض في نتائج أي دراسة، لا بُدّ من التأكد من الجهات الممولة لها، ومن المنهجيّة والزوايا التي تمّت منها قراءة الموضوع. 


 

المساهمون