ينفق الجامعون الأثرياء الملايين لشراء هياكل عظمية للديناصورات في مزادات أقيم أحدها اليوم الخميس في باريس على حيوان ترايسيراتوبس، مما يثير لدى مسؤولي المتاحف وعلماء المتحجرات أسفاً شديداً، لكون هذه الأحافير تصبح جزءاً من مجموعات خاصة بدلاً من أن تكون معروضة في المتاحف.
وبيع "بيغ جون"، وهو أكبر ترايسيراتوبس معروف على الإطلاق، بـ6.6 ملايين يورو (7.74 ملايين دولار أميركي)، اليوم الخميس، في مزاد في باريس، علماً أن سعره كان قد قّدر بما بين 1.4 و1.8 مليون دولار أميركي.
وقال عالم المتحجرات ومدير متحف تولوز للتاريخ الطبيعي فرانسيس دورانتون، قبل وقت قصير من بيع "بيغ جون": "المحزن أننا لا نستطيع المنافسة".
وعلى غرار سواه من هياكل الديناصورات المجاز بيعها، أصبح "بيغ جون" بعد مزاد دار "دروو" جزءاً من مجموعة جامع أميركي، أي ملك طرف خاص، ليفلت هذا الحيوان الذي يبلغ طوله ثمانية أمتار وعمره 66 مليون عام من أيدي العلم والمتاحف، وبالتالي عامّة الناس.
بيع "بيغ جون" اليوم، وهو أكبر ترايسيراتوبس معروف على الإطلاق، بـ6.6 ملايين يورو في مزاد باريسي
أما في هذه الحالة بالذات، فتبدو درجة الإحباط أقلّ. وعلّق عالم المتحجرات في "المعهد الملكي للعلوم الطبيعية" في بلجيكا باسكال غودفروا، قائلاً "هنا، نحن لا نأبه، فلدينا الكثير من الترايسيراتوبس!".
فهذا النوع معروف وتتوافر منه "هياكل عظمية كاملة"، وفقاً لفرانسيس دورانتون الذي أشار إلى أن هذا الهيكل الذي اكتشفه الجيولوجي والتر دبليو. ستاين بيل، عام 2014، في ولاية داكوتا الأميركية، "أكبر قليلاً ليس إلا".
أما أمينة مجموعات علم الحفريات في "المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية" آن ليز فولي، فرأت أن لهذا الهيكل أهمية "حتى لو كان لترايسيراتوبس"، إذ لاحظت أن "ثمة دائماً جوانب غير معروفة كثيراً". وأشارت إلى أن "بعض العظام قد تكون محفوظة بشكل أفضل، وقد توفر معلومات جديدة".
وأكد عالم الحفريات في "متحف التاريخ الطبيعي" في باريس نور الدين جليل أن "ما مِن أحد يستطيع أن يقول سلفاً ما إذا كان لدى (الترايسيراتوبس) معلومات" غير معروفة، لكنه أشار إلى أن العينة المباعة تحديداً خضعت للتحليل في المنبع، من قبل علماء حفريات محترفين.
لكنّ الحال ليست كذلك بالنسبة إلى هياكل الديناصورات العظمية الأخرى التي تطرح للبيع في السوق، إذ غالباً ما يساء تحديد نوع العيّنة، بسبب الافتقار إلى المهارات العلمية المناسبة.
ولاحظ باسكال غودفروا أن "نصف ما يُطرح للبيع مجرّد هراء كبير!"، إذ "غالباً ما تُعرَض قطع مثيرة للاهتمام، ولكن يُساء تحديد نوعها، أو تتعرض للضرر أثناء إعادة تكوينها، بفعل امتزاج العظام بالبلاستيك على سبيل المثال".
وبالتالي، يمكن أن يكون الهيكل عائداً إلى نوع غير معروف إطلاقاً أو غير معروف كثيراً، من دون أن يتنبه أحد إلى ذلك. وقالت آن ليز فولي "إذا كان نوعاً جديداً، تكون الخسارة هائلة، لأننا لن ندرك حتى أنه كان موجوداً على كوكب الأرض".
وقال عالم الحفريات الأميركي ستيف بروسايت، وهو مؤلف كتاب "انتصار الديناصورات وسقوطها" الذي ترجم إلى 21 لغة، إن "هذه الحفريات تشكل تراثنا الطبيعي (...) وهي بمثابة مؤشرات توفر لنا معلومات عن تطور الأرض".
يستحيل في الوقت الراهن إلزام المشترين بإتاحة العيّنات التي يستحوذون عليها للعلماء بغرض الدراسة
وتثير هذه المزادات أيضاً مسألة حرمان الجمهور من الاطلاع على بقايا الديناصورات. وقال مدير "متحف تولوز" إن "عرض ترايسيراتوبس في متحف يشعل المواهب العلمية في عيون الأطفال".
وروى ستيف بروسايت، وهو استشاري لفيلم "جوراسيك بارك 3" الذي يُطرح في دور السينما سنة 2022: "عندما كنت مراهقاً، عُرض الهيكل العظمي لديناصور التي ريكس سو في متحف فيلد، في شيكاغو. وجعلتني رؤيته أرغب في أن أصبح عالم حفريات". ورأى العالِم أن قدره كان ليختلف لو كان الديناصور معروضاً في قاعة استقبال رجل أعمال ثري.
ومع أن هذا النوع من التجارة موجود منذ أن اكتشف الإنسان المتحجرات، أثار الجزء الأول من "جوراسيك بارك"، في تسعينيات القرن العشرين، شغفاً جديداً، وخصوصاً في أوساط المشاهير.
ويستحيل في الوقت الراهن إلزام المشترين بإتاحة العيّنات التي يستحوذون عليها للعلماء بغرض الدراسة، لكن غودفروا قال إن ذلك ممكن في بعض الحالات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه التجارة تحفّز على العمل لاكتشاف المتحجرات، وخصوصاً في الولايات المتحدة. فالسماح ببيعها (بشروط معينة) يمكن أن يكون دافعاً للتنقيب عنها في بعض البلدان، وفقاً لنور الدين جليل.
(فرانس برس، العربي الجديد)